وثانيها: أن النصارى واليهود وسائر أعداء الدين لو لم يشعروا الآن بأن المسلمين الآن خطر داهم لما قاوموهم بهذه الطريقة الغريبة، فإنك لا تكاد تجد اليوم حرباً أو مشكلة ذات بال في الشرق أو في الغرب، إلا وتجدها مواجهة بين دين الإسلام ودين النصرانية.
الحرب في يوغسلافيا -وهي موضوع الحديث- هي حرب بين الإسلام والنصرانية والحرب التي تدور رحاها الآن في عدد من ولايات الاتحاد السوفيتي مثلاً بين الأرمن والأذاريين هي حرب بين الإسلام والنصرانية، والحرب في بورما والحرب في بلاد العرب هي بين الإسلام والنصرانية.
ولا أعتقد أن النصارى الآن يستطيعون أن يخفوا سمة هذه الحرب أو يلبسوها لبوساً آخر، فهي حرب صليبية ضد الإسلام، وإلا فأي معنى أن تكون تلك الدول التي تنادي بالديمقراطية هي أول من يرضى بذبح الديمقراطية في البلاد العربية والإسلامية؟ لأنهم يقولون: إن تلك الديمقراطية سوف تكون معبراً وجسراً للأصوليين، ولن تكون في صالحنا في يوم من الأيام، وأي معنى أن تكون الدول التي تنادي بحقوق الإنسان، وتتشدق بحفظ حقوق الإنسان أول من يبصم ويوقع على انتهاك حقوق الإنسان في الجزائر ومصر وتونس بل وإسرائيل وغيرها من البلاد؟! أي معنى في أن الجمعيات في فرنسا تنتقد تصرفات الحكومة الجزائرية تجاه شعبها، أما الحكومة الفرنسية فتوافق على وضع الديمقراطيةعلى الرف إلى أجل غير مسمى، وتعلن أنها تقر وتؤيد تصرفات المجلس الأعلى بدون تحفظ، ثم تتبعها أمريكا فتؤيد أيضا بدون أي تحفظ جميع التصرفات والقرارات التي اتخذها المجلس الأعلى! وأي معنى أن تكون المواجهة في بعض البلاد في مصر بين الأقباط وبين المسلمين تُصوَّر على أنها تصرفات من بعض الأصوليين؟؟ وتقوم الدول العلمانية لتقدم للدول الغربية عربوناً على أنها ضد كل ما هو إسلامي، فتقول: إن أجهزة أمنها تلاحق الأصوليين المتطرفين وتعمل على اجتثاث جذورهم، وأنها تسعى إلى حماية حقوق الأقباط والمسيحيين والنصارى، وكأنها تقول للغرب: نحن أكثر منكم إخلاصاً لما تريدون، وأكثر منكم حرباً على الإسلام، وأكثر منكم حماية للآليات، فاطمئنوا فلن تهدأ لنا عين، ولن ينعم لنا بال، ولن يقر لنا قرار إلا بعد أن نقلم أظفار كل من ينتسبون إلى الإسلام والدعوة الإسلامية.
الحرب -الآن- في كل بلاد العالم حرب -كما يعبرون هم- بين الهلال والصليب، ونحن نقول: حرب بين التوحيد والتثليث، حرب بين الإسلام وبين النصرانية ويعجبني أن عدداً من الكتاب الذين هم أبعد ما يكونون عن تمثل هذه المعاني وإدراكها، أصبحوا يدركون الآن بشكل واضح بل ويكتبون بصورة قوية عن حقيقة هذه الحرب، وألفت أنظاركم مثلاً إلى كتابات الدكتور فهمي هويدي والدكتور فهمي هويدي من الكتاب الذين لم نعهد منهم أي نظرة لتعميق مفهوم الولاء والبراء في الإسلام، أو مفهوم الحرب على النصارى، أو أي مفهوم من هذه المفاهيم التي كنا وكان غيرنا يتحدث عنها منذ زمن بعيد، ولكني رأيت كتاباته الأخيرة تنضح بالتركيز على هذا المعنى وإبراز هذه الحقيقة؛ لأنها لم تعد مجرد حقيقة دينية موجودة في النصوص السماوية، كلا، بل أصبحت حقيقة سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وإعلامية يدركها كل متابع للأحداث والأوضاع والتطورات في العالم، وليس فقط يدركها الذين يقرؤون النصوص القرآنية والنبوية بعمق وإدراك.