Q فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً، قد ذكرتم الأسلوب الأول في محاربة الإسلام وهو الاحتواء، ولا شك أن خطورة أهل البدع على الإسلام أشد من أعدائه الكفار، وأهل البدع خاصة من يجعل العقيدة في الخلف، يسلك هذا الأسلوب باحتواء الشباب حولهم، بإعطائهم المناصب وغير ذلك، ألا ترى أن هذا الأسلوب يعم الكفار وأهل البدع؟ وما رأيك فيمن يدعي أن العقيدة تفرق بين المسلمين؟
صلى الله عليه وسلم البدعة هي إحدى مصائد الشيطان، لكنها ليست كالكفر، وهذا الأمر هو ظاهر لكن نحتاج إلى بيان، فالكفر درجة أعظم من البدعة، وإذا حصل الشيطان من الإنسان على الكفر؛ فلا يهمه بعد ذلك شيء من أمره، فإذا لم يقع منه على الكفر، قنع منه بالبدعة، فإذا لم يقع منه على البدعة، قنع منه بالمعصية الكبيرة، فإذا لم يستطع قنع بالمعصية الصغيرة، فإذا لم يستطع فقد يقنع من الإنسان بأن يشتغل بالمفضول ويترك الأمر الفاضل، فالشيطان له مراحل متدرجة من الإنسان.
أهل البدع أنواع: هناك بدع مكفرة.
يعتبر أصحابها الذين يقولون بها ويعرفون معناها -فعلاً- من خارج الأمة الإسلامية، كما هو ظاهر -مثلاً- في القاديانية والبهائية والتجانية، وكثير من الطوائف التي تعتقد كفراً بواحاً صراحاً لا لبس فيه ولا غموض، فهذه الطوائف لا يمكن أن تحسب من الإسلام، ولا من الثنتين والسبعين فرقة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا بضربٍ من التأويل، وهؤلاء يصدق عليهم الكلام الذي ذكرته آنفاً.
وهناك بدع دون ذلك، بدع لا يصل الأمر فيها إلى حد الكفر، منها بدعٌ غليظة، ومنها بدع خفيفة، والناس مراحل في هذا الباب، وينبغي أن نفرق ونميز بينهم، فلا نعاملهم معاملة واحدة، وهؤلاء ليسوا أعداءً للإسلام دائماً حتى نستطيع أن نقول: إنهم يسلكون هذه الأساليب لحرب وضرب الإسلام، بل قد يكون فيهم أناس صالحون وفيهم دعاة إلى الله، وفيهم من نفع الله بهم، وهدى الله على أيديهم بعض الكفار، وإن كانت ليست هداية مطلقة، لكنه تحول من الكفر الصراح إلى إسلامٍ مشوبٍ ببدعة، وهذا خير من بقائه على الكفر، وخيرٌ من ذلك لو أنه سلك مسلك الاعتدال، وآمن بالعقيدة الصحيحة وسار على طريقة أهل السنة والجماعة، فإذا تيسر هذا فهو غاية المطلوب.
أما موضوع العقيدة، فيجب الاهتمام بالعقيدة، والعقيدة تعني أموراً: فمن العقيدة: معرفة أسماء الله تعالى وصفاته، والإيمان بها وإثباتها كما أثبتها السلف الصالح رضي الله عنهم، دون أن يدخل الإنسان في تأويلها أو تكييفها أو نفيها، أو ما أشبه ذلك.
ومن العقيدة: الإيمان بربوبية الله تعالى، وأنه المالك الخالق المتصرف المدبر.
ومن العقيدة: الإيمان بألوهية الله، وهذا جانب مهم جداً ويغفل عنه الكثيرون، وهو أنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله تعالى، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] فكثير من المنتسبين إلى الإسلام أصبحوا يثقون بأصحاب القبور مثلاً، يثقون بمن يسمونهم بالأولياء أكثر مما يثقون برب العالمين، فإذا نزلت بالواحد منهم نازله، نادى فلاناً أو علاناً من المقبورين يرجوه كشف الضر أو دفعه أو ما أشبه ذلك.
كذلك الحكم بغير ما أنزل الله، واستيراد قوانين وأنظمة كافرة وتحكيمها في أموال الناس ودمائهم وأعراضهم ورقابهم، هذا أيضاً مما ينافي توحيد الألوهية، قال الله {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54] {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] .
ومن العقيدة: إحياء المعاني العقدية في نفوس الناس، وهذا يغفل عنه الكثير أيضاً، قضية حب الله تعالى وخوفه ورجاؤه والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، وما أشبه ذلك من معاني العقيدة التي يغفل عنها الكثيرون ولا يتحدثون عنها، وهذا أمر ينبغي التنبه له.
فالمسلم يهتم بهذه الأشياء وهي المنطلق، لا يتصور إنسان مسلم بدون عقيدة، بل لا يتصور إنسان بلا عقيدة، إما عقيدة صالحة أو منحرفة، لأن هذه ميزة الإنسان أنه يعتقد، بخلاف الحيوان الأعجم الذي لا ينطق ولا يفهم ولا يخاطب، أما الإنسان فهو مخاطب، وأول ما يخاطب به هو العقيدة، ولذلك أول واجب على المكلف هو شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا هو أول ما بعث به الرسل وأول ما قالوا لأممهم، وأول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم.
كما في حديث ابن عباس، حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن -كما في الصحيحين- {فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله} فالعقيدة أولاً، ولا إشكال في هذا، وهي أولاً وأخيراً أيضاً، بمعنى: أننا لا ندعو إلى العقيدة ثم تنهي دور العقيدة، وبدأنا ندعو إلى غيرها، ليس هناك تجزئة، بل ندعو إلى العقيدة وإلى غيرها، وفي جميع المراحل.
القرآن الكريم نزل في المدينة، كان يرسخ العقيدة في نفوس الناس، حتى في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فالعقيدة لا ينتهي تعليمها عند حد معين، بل ينبغي سقي شجرتها، ولا تنتهي إلا بموت الإنسان {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] .