Q فضيلة الشيخ: هل تعتقد أن من المعوقات للدعوة تفرق الدعوات؟ إذا كان نعم، فما السبيل إلى جمعهم على كلمة سواء؟
صلى الله عليه وسلم الواقع لست أعتقد أن مجرد التفرق والاختلاف بذاته عائقاً كبيراً، لأن هذا الاختلاف قد يكون اختلافاً محموداً، وقد يكون من العسير -كما أسلفت- جمع الناس على رأي واحد، لكن أعتقد وأجزم أنه من المعوقات -كما أشرت إليه- أن ينشغل الدعاة بعضهم ببعض، فيكون الأمر كما قال الإمام الشافعي: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا ونهجو ذا الزمان بغير جرمٍ ولو نطق الزمان بنا هجانا وليس الذئب يأكل لحم ذئبٍ ويأكل بعضنا بعضاً عيانا كم من داعية يهمه أن يسقط أخاه، إسقاطاً مادياً أو معنوياً، يشوه سمعته ويحط من قدره، إما غيرةً وحسداً، وإما مخالفةً، وإما لحاجةٍ في نفسه، فتجد أنه يستغل جميع السبل والوسائل لهذا الأمر، ولو أنه صرف هذا الجهد للتحذير من منحرف أو عدوٍ للإسلام؛ لكان ذلك خيراً له.
أذكر قصة طريفة بغض النظر عن كونها صحيحة أو غير صحيحة لكن فيها عبرة: دخل بعض الخوارج على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، الخليفة الأموي العادل، وكان عمر بن عبد العزيز أرسل من يناظر الخوارج ويأخذ منهم ويناقشهم، وهدى الله تعالى على يديه جمعاً غفيراً، وكانوا يرتاحون لـ عمر بن عبد العزيز من بعض النواحي؛ لأنه رجل عادل ومنصف، والعدل والإنصاف من أسباب جمع كلمة المسلمين دائماً وأبداً، فدخلوا على عمر بن عبد العزيز وقالوا: أنت رجلٌ فيك وفيك لكن نريد منك أمراً وهو أن تلعن معاوية، لأنك لا تلعن معاوية، فلماذا لا تلعن معاوية؟ فقال للسائل: منذ متى عهدك بلعن فرعون؟ ففكر السائل وقال: والله منذ زمن بعيد.
فقال للسائل: إذاً انتظر حتى ننتهي من لعن فرعون.
وليس المقصود أن عمر سينتقل بعد لعن فرعون إلى لعن معاوية، حاشاه من ذلك رضي الله عنه؛ لأنه لا يمكن أن يلعن صحابياً من المؤمنين، وهو معاوية رضي الله عنه، لكنه أراد أن يقيم الحجة على هذا الخارجي، أن مسألة اللعن لا يتعبد بها، مجرد لعن أشخاص، ولذلك هذا الرجل لا يتذكر متى لعن فرعون، ربما لم يلعن فرعون إلا أن يقرأ القرآن الذي فيه لعنه ولعن أمثاله.
فمن المؤسف أن بعض الدعاة يشتغلون بإخوانهم، قد يتفق معك أخوك في (70%) أو (80%) من اجتهاداتك، ومع ذلك تشتغل به وتحاول أن تسقط مكانه، والآخر الذي تختلف معه (100%) من أعداء الإسلام أو خصومه، ربما لم يصب منك بسوء، وأذكر أن رجلاً كان في مجلس عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ورحمه الله، فاغتاب رجلاً من الصالحين، فقال له عبد الله بن المبارك: هل غزوت الروم؟ قال: لا.
قال: هل غزوت الفرس؟ قال: لا.
قال: هل غزوت الهند والسند؟ قال: لا.
قال: فسلم منك الروم والفرس والهند والسند ولم يسلم منك أخوك المسلم!!! فالغيبة داء يفتك بالمؤمنين، تناول أعراض الدعاة والوقيعة فيهم والحط والتجريح، وتأتي -أحياناً- بأساليب ملفوفة، أحياناً تأتي بأسلوب النقد أو بأسلوب التقييم أو بأسلوب النقد الذاتي، وأحياناً يسميها ملاحظات، وهي في الواقع غيبة، حتى -أحياناً- مجرد كلمة، فإذا ذكر شخص فأنت في نفسك تريد أن تسقط قيمته، لكن من باب الورع لا تريد أن تقول كلمة صريحة، فتقول: دعوه الله يستر علينا وعليه.
هذه الكلمة بحد ذاتها غيبة، لماذا؟ لأنك تقول للناس هذه عليه أشياء وملاحظات لا أريد أن أبينها، دعوه ستر الله علينا وعليه.
أو يُذكر شخص فتقول: لا أريد أن أغتابه وهذه غيبة؛ لأنك حين قلت: لا أريد أن أغتابه.
معناه: إنني لو أردت أن أقول فيه لقلت فيه شيئاً كثيراً، ومجال الحديث فيه واسع، لكن أنا ورع لا أريد، فاغتبته من حيث تدري ولا تدري.