اختلاف الناس في الأصول والفروع

Q لقد ذكرتم أن من الصعب جمع الأمة على كلمة واحدة في الفروع والأصول، أقول -بعد إذنكم-: إن الفروع ظاهر الخلاف فيه بين الأمة، ولكن الأصول الذي أعلمه أن الصحابة والتابعين أصولهم واحدة، لم يختلفوا في باب الألوهية والربوبية أوالأسماء والصفات، أو أمر الرسالة وغيرها من الأصول، أرجو أن أكون قد فهمت خطأً، أرشدونا بارك الله فيكم؟

صلى الله عليه وسلم لست أقصد أن الناس يختلفون في الأصول وفي الفروع أي: أصول الدين وفروعه، لكنني أقول: إن اتفاقهم على الأصول والفروع كلها غير ممكن، بمعنى أنهم يمكن أن يتفقوا على الأصول، لكن لا يمكن أن يتفقوا على الجزئيات وتفاصيل الأحكام، فالخلاف في الأحكام موجود، أما في القضية الاعتقادية فإنني لا أعلم، بل أجزم أنه لم يقع أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم، تلبس ببدعة في ذلك، بل حمى الله هذا الجيل الشريف المبارك المختار، عن أن يتلبس ببدعةٍ اعتقادية، وانقرضوا عن آخرهم وهم على النهج الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم أصبحوا مقياساً يعرف به الحق من الباطل، ولهذا لما قال صلى الله عليه وسلم، أو ذكر الفرقة الناجية قال: {من كان على ما أنا عليه وأصحابي} إذاً: الوضع الذي كان عليه الصحابة هو المقياس الذي يعرف به الحق من الباطل، وتحاكم عليه أوضاع الناس.

فموضوع أصول الاعتقاد لا يُختلف فيها قد يختلف أهل السنة أحياناً في بعض تفاصيل الاعتقاد، يختلفون في جزئية من جزئيات العقيدة، فقد اختلفوا -مثلاً- في إثبات الصورة وما أشبه ذلك، هذا قد يقع داخل أهل السنة، وإن كان الحق ظاهراً في كثير من هذه المسائل بقوة الدليل.

لكن أن يوجد بين أهل السنة من يسلك مسلك التأويل، فهذا لا يمكن أن يكون على الإطلاق.

يمكن أن يجتمع المسلمون على أصولٍ واحدة، لكن الاجتماع على الفروع هو الذي أقول: لا يمكن، كما أنني أريد أن أؤكد على أمرٍ آخر، وهو: لابد من الاختلاف في الأسلوب، الأساليب تتنوع من عصرٍ إلى عصر، والوسائل تختلف، وأحياناً يرى الحاضر ما لا يرى الغائب.

وفي أول عهود الصحابة رضي الله عنهم، اختلفوا في جواز كتابة الحديث، فكان منهم من يرى أنه لا يجوز أن يكتب الحديث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال -كما في حديث أبي سعيد-: {لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب عني شيئاً غير القرآن فليمحه} ولكن هناك آخرون يرون جواز الكتابة، ويحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: {اكتبوا لـ أبي شاه} وقوله في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: {اكتب، فوالله ما خرج منه إلا حق، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى فمه} فكانوا مختلفين في هذا الأمر وفي هذه الوسيلة، لكن بعدما وجدوا ونظروا بأعينهم، ورأوا الضرورة العملية الملحة لكتابة الحديث، انتهى هذا الخلاف، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على أهمية كتابة الحديث، بل زال وانقرض الخلاف في ذلك.

فالوسيلة تختلف من عصر إلى عصر، ولذلك لا يمكن أن نجمع الدعاة على أسلوب واحد، فهذا داعية يهتم ببناء المساجد، وآخر يهتم بنشر الدعوة، وثالث يهتم بنشر العلم، ورابع يهتم بدعوة العامة، وخامس يهتم بدعوة الخاصة، وسادس وسابع وثامن قد علم كل أناس مشربهم، وكل امرئٍ منهم له مقام معلوم، قد لا يستطيع أن يقومه غيره، فهذا من التنوع المحمود، من اختلاف التنوع لا من اختلاف التضاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015