مساجد الضرار

ومن بيوت الضرار ومساجد الضرار: المنافقون بنو مسجد الضرار الأول في المدينة، وقالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: تصلي فيه؛ لأن مسجدك بعيد، ويصعب علينا في الليلة الشاتية والليلة المطيرة أن نصل إليه، فهذا مسجد بنيناه حتى نصلي فيه فدعو الرسول عليه الصلاة والسلام للصلاة فيه، فنهاه الله عز وجل عن ذلك فقال: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [التوبة:108] فنهى الله رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وسماهم ضراراً فقال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة:107] كم من مؤسسة وكيان وجهة ومركز وشخصية، تحمل اسم الإسلام وتلبس لباسه، وتنادي به، لكن حقيقتها خلاف ذلك، وكم من إنسان يظهر الدعوة إلى جانب من جوانب الإسلام، وهو في الواقع كما قيل: كلمة حقٍ أريد بها باطل.

وما أصعب التحرز من هؤلاء، فشأنهم كما قال الشاعر: والمدّون هوى الإسلام سيفهم مع الأعادي على أبنائه النجبيخادعون به أو يتقون به وماله منهم رفد سوى الخطب كم من إنسان كانت خطبه ملأى بالكلام عن الإسلام، والدعوة إلى الإسلام، وحماية الإسلام، وتاريخ الإسلام، وتمجيد محمد صلى الله عليه وسلم، لكن أعماله على النقيض من ذلك! وهذا يذكرني بالأسطورة التي تذكرها بعض الكتب، عن انخداع بعض الناس بهذا الأمر، يقولون: إن هناك صياداً كان معه بندقية، فدخل إلى مكان ليصطاد بعض الطيور، فكان هناك عصفوران، فقال أحدهما للآخر: انظر إلى هذا يريد أن يصطادنا، فنظر إليه وقال: إنه لن يصطادنا، ألا ترى أن عينيه تدمع وتبكي رحمة لنا وشفقة علينا؟ فقال له: لا تنظر إلى دمع عينيه، ولكن انظر إلى هذا السلاح الذي في يديه.

فكثير من الناس -كما يقال- يذرفون على الإسلام دموع التماسيح، لكن أقوالهم تقول لكل رائي ومتأمل: إنهم كاذبون في ذلك، ومن قبل كان عبد الله بن أبي بن سلول، شيخ النفاق والمنافقين في المدينة، كان إذا قام الرسول صلى الله عليه وسلم وخطب، قام بعده عبد الله بن أبي بن سلول يعقب على الخطبة، ويشيد بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: أيها الناس! اسمعوا وأطيعوا لهذا النبي الكريم الذي اختاره الله لكم واجتباه وخصكم به إلى غير ذلك من الكلام، وكان الناس ينخدعون بكلامه في أول الأمر.

إذاً ليس المقياس هو الكلام والخطب الرنانة، فكم من خطبٍ قيلت وليس لها رصيد من الواقع، إنما المقياس هو اتباع القول بالعمل، هذا هو الميزان الشرعي الحقيقي لمعرفة صدق الإنسان من كذبه، فإذا قال الإنسان قولاً -وهنا أيضاً أحذر- إذا قال الإنسان قولاً حسناً، لا ينبغي أن نسارع في اتهامه، بل يجب أن نتميز بالعدل حسناً جميلاً، نقول: هذا قول حسن وجميل، ولكن ننظر ماذا بعد هذا القول؟ فإن وجدناه أتبع القول بالعمل، كان هذا آيةً على صدقه، وإن وجدنا أنه توقف عند حد هذه البضاعة الكاسدة، بضاعة القول فحسب، وخالف ما يقول؛ عرفنا أن هذا القول كمجرد خداع وتضليل، وترويج هذا الأمر على الناس فقط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015