النوع الثاني من النصوص: ما رواه مسلم أيضاً، عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم} .
والحديث رواه مسلم، وقد جاء الحديث نفسه عن جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة وجرير وأبو الدرداء وأبي بن كعب وعبادة بن الصامت وغيرهم، كلهم ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب} .
وهذا الكلام يحتمل أموراً منها: أولاً: إن الشيطان يئس أن يعود أهل الجزيرة مرتدين كلهم، وإن وجد منهم ردة، ووجد فيهم شركاً، ووجد فيهم فساداً، لكن يئس الشيطان أن يرتد الناس كلهم عن الإسلام في هذه الجزيرة.
ثانياً: أن يكون المقصود الناس الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا، فإن الشيطان لما رأى انتشار الإسلام وعزته وقوته؛ يئس من رجوع الناس عن دينهم أو ردتهم عنه، واستسلم للأمر الواقع.
وذكر العلماء وجوهاً أخرى لهذا الحديث، ومنها: أنَّ يأس الشيطان متعلق بالمصلين، فالذين يصلون وهم ورواد المساجد، قد يئس الشيطان منهم أن يعبدوه ويشركو في ولكنه رضي منهم بما دون ذلك، وهو التحريش بينهم، وإثارة العداوات والبغضاء، وملء القلوب بالإحن والضغائن، والكلام في الناس حتى تمتلئ القلوب بالضغائن والأحقاد.
هذا هو الذي تسلط به الشيطان على المؤمنين في هذه الجزيرة وفي غيرها، فنحن نرى المؤمنين وطلبة العلم -في كثير من الأحيان- يكون في قلوبهم الحسد البغضاء وسوء الظن والقيل والقال، إلى غير ذلك من الأشياء التي يوقد الشيطان نارها في قلوب المصلين، فيرضى منهم الشيطان بذلك ويكفيه منهم هذا.