ومن النصوص الواردة في جزيرة العرب: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، وحتى يخرج الرجل بصدقته فلا يجد من يأخذها، ولا تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً} وقوله عليه الصلاة والسلام: {حتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً} يحتمل عدة أمور: الاحتمال الأول: أن يكون المقصود أن الناس ينشغلون في بعض الأزمنة بالحروب والمعارك والفتن ونحوها، عن الأرض والمزارع والمياه ونحوها، فيهملونها فتكون أنهاراً تسيح ليس لها أحد يهتم بها.
وهذا ذكره النووي، وهو بعيد.
الاحتمال الثاني: أن يكون ذلك بسبب عناية الناس بالزراعة، وحفرهم للآبار والعيون، وشقهم للترع ونحوها وزرعهم للأرض، وهذا ما نجد بوادره الآن في هذه الجزيرة؛ حيث اشتغل كثير من أهلها بالزراعة، وأخضر كثير من صحاريها الجرداء، وهو داخل -والله أعلم- في معنى الحديث.
الاحتمال الثالث: وهو من أقوى الاحتمالات: ما ذكره جماعة من العلماء المتخصصين في هذا العصر، أن هناك احتمالاً كبيراً أن تتحول الجزيرة -فعلاً- إلى أرض ذات هواء لطيف، وجو طيب، وهناك توقع لكثير من العلماء يقولون: احتمال مجيء ما يسمونه بالزحف الجليدي القادم من جهة الشمال إلى هذه الجزيرة، والذي يتسبب في تلطف هوائها، وحسن جوها، ومزيد اعتداله، وبناءً عليه يوجد في هذه الجزيرة فعلاً مروج حقيقية، وأنهار حقيقية، كما كانت موجودة فيها من قبل، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: {حتى تعود جزيرة العرب} فقوله: (تعود) قد يدل بظاهره على أنها كانت مروجاً وأنهاراً في غابر الزمان، وتعود في آخر الزمان أيضاً مروجاً وأنهاراً، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
فخالقها جل وعلا قادر على أن يفجر فيها الأنهار والعيون، وأن يحول جدبها إلى خصب، وأن يحول أراضيها الجرداء القاحلة إلى رياض خضراء مزهرة، والله تعالى على كل شيء قدير: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] .
ومن النصوص الواردة في الجزيرة العربية من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رواه نافع بن عتبة، وهو في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم تغزون فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله} إذاً المسألة بالترتيب أربعة أشياء، يا أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام هكذا ذكر لكم نبيكم عليه الصلاة والسلام عملكم: أولاً: تغزون -والخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- جزيرة العرب، وهكذا كان، فإنهم غزوا الجزيرة حتى لم يمت النبي عليه الصلاة والسلام إلا ومعظم الجزيرة خاضع لحكم الإسلام، وجاءته الوفود من كل مكان ففتحها الله.
بعد ذلك انتقلوا إلى بلاد فارس، فغزوها ففتحها الله.
ثم انتقلوا إلى بلاد الروم، ولا زالت الحروب مع الروم ومع بلاد الروم.
ثم بعد ذلك الدجال وهو في آخر الزمان.
أربعة مراحل في تاريخ هذه الأمة، ذكرها صلى الله عليه وسلم، وظاهر من خلالها أن جزيرة العرب هي أول ما يفتح للإسلام، ويجتمع عليه أمر هذا الدين.
أيضاً من الأحاديث الواردة: حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه، وهو في صحيح مسلم: {أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يوماً وهم يتذاكرون الساعة.
فقال: ماذا تتذاكرون؟ قالوا: نتذاكر الساعة.
قال صلى الله عليه وسلم: إنها لن تقوم حتى تروا عشر آيات} فذكر صلى الله عليه وسلم الخسف والدخان والدابة، إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: {وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب} فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في جزيرة العرب خسف في آخر الزمان قبل قيام الساعة، ولعل هذا الخسف الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، هو الخسف الذي بينه في حديث عائشة وأم سلمة وغيرهما، وهو في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يعوذ عائذ بالبيت} وفي أحد الأحاديث: {أنه صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام عبث في منامه -أي تحرك في منامه بحركة لم تكن معهودة منه- فلما استيقظ، قالت له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! صنعت شيئاً لم تكن تفعله! قال عليه الصلاة والسلام: العجب أن ناساً من أمتي أو قوماً من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بأولهم وآخرهم} .
وفى رواية: {يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم} وفي رواية: {ثم لا ينجو منهم إلا الشريد الذي يخبر عنهم} فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يسخر الأرض لنصرة قوم من أوليائه وحزبه وجنده، يعتصمون بذلك البيت ليس لهم منعة إلا سيوفهم واعتصامهم بالله جل وعلا وثقتهم به، فيؤمهم قوم، أي: يغزونهم ويقاتلونهم، وهم أقوى منهم وأقدر، فيسلط الله تعالى عليهم الأرض، فتفتح فمها ثم تبتلع هذا الجيش عن آخره، حتى يكون فيه أسواقهم ودوابهم ومن ليس معهم، والمجبور، والمستبصر، وابن السبيل، والتاجر وغيرهم، ثم يبعثون على نياتهم، يردون مورداً واحداً، ويصدرون مصادر شتى.