إفراط الآباء في الثقة بأبنائهم

إن مما ينبغي أن يتفطن له الآباء، وأولياء الأمور والشباب: أن كل واحدٍ منا يحسن الظن بأخواته، ويحسن الظن بزوجته، ويحسن الظن ببنته، لأن البنت أمام والدها خجولة حيية، وهذا طبع، وفيها خجلَّ فطري فعلاً، ولو تكلم أبوها في الزواج -مثلاً- لطأطأت رأسها وخجلت، ولم تستطع أن ترد عليه، ولهذا جاء في الحديث {إذنها صمتها} أي: إذا استشيرت في شخصٍ معين صمتت، فيظن الأب أن هذه البنت إذا كانت تخجل من الزواج الذي هو على كتاب الله وسنة رسوله، فهي أولى أن تكون بعيدةً عما يسخط الله تعالى في غيره، فيبالغ في حسن الظن، ويدع لها الأمر كله، فلا يتفطن لذلك، فالهاتف بمتناول يدها، وتخرج متى ما شاءت، وتدخل متى ما شاءت، وتفعل ما شاءت، وتخرج للسوق إلى غير ذلك.

وهذا خطأٌ كبير؛ لأن البنت إذا غاب عنها والدها، وأخوها، ومحرمها، وزوجها، وكانت في السوق وتناولتها ذئاب بشرية وتعرضت لها؛ فإنها قد يوسوس لها الشيطان، وقد يزين لها من ترى، فيصور لها أنه خيرٌ لها من زوجها، أو خيرٌ لها من غيره، وكذلك قد لا تكون راغبةً هي، ولكن الشيطان يغري غيرها بها، فربما أوذيت في نفسها ولو بالكلام، في شيءٍ لا تريده هي، وكم جاءتني من أسئلة واستفسارات من نساء كثيرات، يشتكين أموراً حصلت لهن في أطهر البقاع، أقولها لكم صريحة حتى تتفطنوا، وهنَّ في المطاف أو عند رمي الجمار، أو في المسعى، في الأماكن الفاضلة التي اختارها الله تعالى واصطفاها.

نسأل الله تعالى بمنه، وكرمه أن يتوب على جميع عصاة المسلمين، وأن يهديهم إلى الحق، ويردهم إليه رداً جميلاً، ونسأله جلَّ وعلا أن يرزقنا وإياهم تعظيم حرمات الله، وتعظيم شعائره، والبعد عما يسخطه.

لكن هذا لا يمنع أن يوجد من يستهويهم الشيطان، من ضعاف النفوس، وضعاف الإيمان، ففي مثل هذه البقاع الطاهرة، والأماكن النظيفة، والأوقات الفاضلة أيضاً، قد يحصل ما لا تحمد عقباه، بعمدٍ أو بغير عمد.

إذاً: الإفراط في الثقة والمبالغة أمرٌ مذموم، وينبغي للإنسان أن يتفطن لمن تحت يده، ومن ولاه الله تعالى أمرهم من البنين والبنات، فيتعاهدهم بالنصح والإرشاد والتوجيه، والتذكير بالله وباليوم الآخر، وبعقاب الله تعالى للمخطئين والمعاندين والمقصرين، ولا يبخل عليهم أبداً ولا ييئس، ومع النصح والتوجيه والإرشاد؛ لابد من المراقبة.

وأقولها صريحةً: لا بد من المراقبة للكبير والصغير، حتى المتدين لا يمنع أن يراقَب، لأن الشيطان لا يمكن أن يقول هذا إنسان متدين ولا حاجة لي به، إذا كان يغري الإنسان المنحل بالفاحشة؛ فهو قد يغري الإنسان المتدين بما دون ذلك، وأقل ما يغريه به النظر الحرام، والنظر الحرام يجر إلى ما بعده.

نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ وقد رأينا أن الشيطان أفلح ووصل حتى ببعض الأخيار، فأوصلهم إلى بعض الأمور التي ما كانوا هم يتصورون أن يصلوا إليها، ولكن المسألة مسألة خطوات الشيطان، فينبغي المراقبة حتى للكبير.

وكنتُ ذكرت لبعض الإخوة في بعض المناسبات؛ أن هناك وزيراً في إحدى الدول العربية بلغ الستين من عمره، وفي إحدى المرات أجروا معه مقابلة، فكان يقول: إن والدي لا يزال حياً، وإنه لا يزال يراقبني بدقة حتى الآن، الولد عمره ستون سنة الآن، وأصبح جداً، ووزيراً، وتجاوز فترة المراهقة بمراحل كثيرة، لكنه يقول: لا يزال والدي يراقبني فكلما أردت أن أخرج من البيت، استوقفني وقال: إلى أين يا ولدي؟ فأقول له: يا أبتِ سوف أذهب إلى عملي في الوزارة، أنا وزير.

فيقول: ساعدك الله، ويدعو له ثم يخرج.

يقول: فإذا تأخرت وجئت في وقتٍ غير مناسب، أو متأخر عن الوقت المعتاد، أوقفني وقال: لماذا تأخرت يا ولدي؟ فأقول له: يا أبتِ، تأخرت بسبب حركة المرور، وشدة الزحام، واضطررت أن أتأخر ساعة، أو نصف ساعة، أو أقل أو أكثر.

فيقول: حياك الله والحمد لله على السلامة.

وما يزال الولد ملتزماً بهذا النظام الرتيب، وكذلك الأب، فيلزمك إذا كان ابنك في الثامنة عشرة، أو التاسعة عشرة أو العشرين أو بنتك؛ أن تكون شديد المراقبة لهم، وشديد اليقظة.

وليست القضية سوء ظن أو اتهام، بل القضية أولاً: أننا لا نحسن الظن أبداً بالشيطان، ونعرف أن الشيطان مسلط على كل بني آدم.

ثانياً: إن الشيطان يملك من الوسائل والحيل والأساليب الشيء الكثير، وبناءً عليه فلا نحسن الظن بالشيطان، ولا نتوقع أن أولادنا أو بناتنا معصومون من وسوسته وكيده، بل ما من إنسان إلا وقد سلط عليه الشيطان، ومن أجل هذا؛ نراقبهم، ونحاسبهم، ونسائلهم، ونناصحهم، ونبذل الوسع لهم، ولأن تجلس في بيتك يا أخي، لمراقبة أولادك وبناتك وذكر الله تعالى، والصلاة في المساجد، خيرٌ لك من أن تذهب إلى مكة، حيث اجتماع الناس، والكثرة الكاثرة.

فإذا كنت تعلم أنه يصعب عليك أن تحافظ على أهلك وأولادك وبناتك، وأنه لن تستطيع ولن تتمكن أن تراقبهم، وتطمئن إلى سلامة سلوكهم واعتدال تصرفاتهم؛ فالجلوس في البيت لمراقبة الأبناء أفضل وأخير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015