مثلاً: ولد نوح على نوح السلام، لما رأى بعينه بوادر الغرق، ورأى السماء تهطل بالمطر، والأرض تفور، ونوح يقول لولده: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42] لم يستيقظ بل قال: {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] .
ولازلنا في الأسباب المادية، إذاً لاحظت الكافر كيف عقليته! وكيف تفكيره! وكيف نظره! فالمسألة عنده مادية بحتة يقول: هناك قمة مرتفعة سوف أصعد إليها، بحيث لا يصل الماء إليَّ، لماذا؟! لأنه لم يتصور أن القضية عقوبة إلهية، بل تصور أن المطر اشتد هذه المرة، وأن المطر لن يصل إلى أعالي الجبال، وبعد ذلك سوف تشربه الأرض، ويعود الأمر كما كان، قال: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] لكن الواعين والمدركين يقولون: كما قال نوح عليه الصلاة والسلام، قال: {لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] .
الموج قطع الحوار بين نوح وبين ولده -حال بينهما- فغرق الولد ونجا نوح عليه السلام.
هذه نظرة غير المؤمنين، فهم يفسرون الأمور تفسيراً مادياً، حتى أن أحدهم لما حصل زلزال في مصر، قيل في عهد كافور الإخشيدي، وقيل في عهد الدولة التي تسمى بالدولة العبيدية، وهي الدولة الفاطمية، لما حصل الزلزال فيها، قام شاعر أمام ملك من ملوكها، يُدافع عنه، مع أن الزلزال عقوبة إلهية، لكن ماذا قال الشاعر؟! حَوَّلَ هذه العقوبة إلى نعمة، قال: ما زلزلت مصر من كيدٍ أَلمََّ بِها لكنها رقَصَتْ مِنْ عَدلِكمْ طَربَا فهو يقول: ليس بزلزال بل مصر ترقص فرحاً بكم وبعدلكم وكرمكم!! هنا دور المنافقين، يحولون الكوارث إلى نِعم، ويحولون المصائب إلى أمور يُفرح بها ويُسر بها ويتحدث بها؛ لأن هذا الزلزال ما هو إلاَّ رقص من عدلكم وإنصافكم وإحسانكم، وهذا مدعاة إلى أن الإنسان يستمر ويُصر على ما هو عليه من الفساد والانحلال.
أيها الإخوة: وكم أخذ الله عز وجل الكافرين، والفاسقين، والظالمين، بالآيات والنذر، فربما أصر كثير منهم على ما هو عليه.
ولاشك أن ما تعيشه هذه الأمة الإسلامية منذ قرون، منذ أن زالت الدولة الإسلامية الواحدة التي يستظل المسلمون جميعاً بظلها، وأصبح المسلمون شيعاً وأحزاباً لا يوالي بعضهم بعضاً، ولا يناصر بعضهم بعضاً، ولا يغضب بعضهم لبعض، ولا ينتصر بعضهم لبعض، بل ولا يدري بعضهم ما يجري للبعض الآخر، منذ ذلك الوقت وهم في بلاء ومحن لا يعلهما إلا الله عز وجل: كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ وأنتم يا عباد الله إخوانُ لقد مر وقت كان المسلمون يستنجدون بنا في كل بقاع الأرض، فربما أعرض كثير من المسلمين عن غوث إخوانهم، ونصرتهم والقيام بحقوقهم، كم كنا نسمع من استباحة الأعراض في كل مكان، في لبنان، وفي فلسطين، في أفغانستان، في القريب في البعيد، فماذا كنا نقول؟! كان كثير من الناس يقول: إنهم يستحقون، هؤلاء وقعوا في المعاصي والذنوب، وعثوا في الأرض الفساد، سبحان الله! ونحن ما هو حالنا؟! هل نحن أتقياء بررة؟! وهل نحن أطهار أخيار؟! أليس فينا الفساد والانحلال، والضياع، والتقصير، والربا، والمعاصي، والتقاطع، والتدابر، والتقصير، والجهل، والهوى، والغفلة، والتعلق بالدنيا، وموالاة الكفار، وارتكاب المعاصي؟! أين هذا؟! هل نحن في عالم آخر؟! أليست رياح الفساد هبت علينا من كل مكان؟! فكيف نتصور أن المسلمين يشردون في كل مكان ونحن بمنجاة مما يصيبهم؟! ثم سمعنا أخباراً أخرى وثالثة ورابعة، ولعل آخر ما سمعنا هو ما جرى لإخواننا في الكويت وهي البلد المجاور، وكان الناس يقولون بملء أفواههم.
أما هذا البلد ففيه وفيه وفيه!