وكلنا نعلم أن كل بلاد الإسلام أصبحت -مع الآسف- مسرحاً لكثير من المنكرات الكبار، التي تسخط الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278-279] .
لكن المصيبة والمشكلة، أنك تُبصِر عيوب الآخرين وتنسى عيوبك! وكثير من المسلمين، وأخص هذه البلاد اليوم، مازالوا يتكئون على كلمة يرددونها في مناسبة وغير مناسبة، أن هذه البلاد بحمد الله أهلها أصحاب عقيدة سليمة، وهذه البلاد بحمد الله هي قلعة الإسلام، وهذه البلاد بحمد الله هي البقية الباقية، وهذه البلاد بحمد الله هي التي سلمت من الشرور، وهذه البلاد بحمد الله وهذه البلاد بحمد الله ونحن لا ننكر أبداً أن هذه البلاد أحسن من غيرها، لكن غيرها قد يصل إلى القرار، إلى الهوة السحيقة، إلى نهاية الوادي، فهل إذا كفر الناس، ونحن دونهم بشبرٍ أو ذراع قلنا: الحمد لله، نحن أحسن؟! لماذا ننظر إلى غيرنا؟! لماذا لا ننظر إلى حالنا الآن مع ما يجب علينا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! بل لماذا لا ننظر إلى حالنا الآن مع حالنا في الماضي؟! هل نحن في زيادة أم نحن في نقص وتأخر؟! فإن الشيء الذي ينقص ينتهي، والشيء الذي يزيد يصل إلى كمال، فإذا نظرت إلى أحوالنا لوجدت أمور المسلمين تتأخر وتتردى في كافة المجالات، يوماً بعد يوم، فتدرك أن الخطر داهم، وأنه لا ينفعنا أبدا أن نتعلل بوضعٍ كُنا عليه، كنا وكنا، لا تكن (كنتياً) يقول: كُنت وكُنت: كُن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغنيك محموده عن النسبِ إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي فاعتمادنا على أنه كان حالنا في يوم من الأيام كذا وكذا هذا ليس بصحيح ولا يكفي، كذلك اعتمادنا على قضيه صلاح العقيدة، صحيح أن العقيدة بحمد الله، ليس عندنا قبورُ تُعبد، وليس عندنا مزارات منكرة، وليس عندنا بدعٌ مُنتشرة، لكن لماذا لا نتساءل عن أمورٍ قد خرقت عقيدة الأمة كلها، والأمة في غفلة؟! مثلاً: قضية التعلق بالدنيا، قد يعبد الإنسان وثناً، أو صنماً، أو ولياً، وقد تُنسى عبادة القرش، والريال، والدرهم، والدينار، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار} فلماذا لا أتصور هذا، وأنه من أعظم الأشياء التي تخل بالعقيدة: أن من الناس من أصبحوا عبيداً للدنيا، عبيداً للمنصب، أو للشهوة، أو للقرش، والريال، أو للوظيفة، أو للكرسي، أو لفلان، أو للزعيم؟! قضية أخرى: وهي الولاء للكفار: أصبح كثير من المسلمين يحبون الكفار من أعماق قلوبهم، ويتكلمون عنهم بكلام عجيب، على حين يذمون إخوانهم المؤمنين ويسبونهم وينالون منهم، والكافر أصبحً عزيزاً كبيراً في أعيننا له عندنا المكانة، وهو الولي، وهو المحب، وهو المدافع، وهو النصير، وهو الحامي، وأصبح المسلم مُبغضاً؛ لأنه من بلدٍ آخر!! أليس هذا واقعاً؟! إذاً: أين الولاء والبراء؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] .
هذا يخل بأصل العقيدة عند المؤمن، كثير من المؤمنين انسلخوا -والعياذ بالله- من حقيقة ولائهم وبرائهم، وأصبحوا يوالون، ويعادون في الدنيا، وحسب ما تقتضيه أصول الإعلام الذي يرسم عقولهم، ويصور لهم الأمور بصورة غريبة.