أنتَ لستَ غريباً، هؤلاء هم سلفك، ومن يأتون من الأجيال القادمة هم خلفُك، والإسلام رباط يربط الماضين باللاحقين، ويربط الغابرين بالآتين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه مالك وغيره، أنه عليه الصلاة والسلام قال: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا قالوا: أوَلَسْنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم أصحابي، وإخواني هم الذين يأتون بعدُ} فالمسلمون الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم بالغيب، ما اكتحلت عيونهم برؤيته، ولا تلذذت آذانهم بسماع لذيذ كلامه، ولا تنعموا بالصلاة خلفه، هؤلاء المسلمون الذين آمنوا به -عليه الصلاة والسلام- واتبعوا النور الذي أنزل معه، وتمنى أحدهم أن يكون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بماله ونفسه، هؤلاء المؤمنون الذين جلُّ همِّ أحدِهم أن يحشره الله تعالى مع محمد صلى الله عليه وسلم وأن يُوْرِدَه الله تعالى حوضه، وأن يجعله يوم القيامة معه في الجنة، حتى يتمنوا رؤيته -عليه الصلاة والسلام- بما ملكت أيديهم، وربما تحقق لهم ذلك، فأراهم الله تعالى شخصَه الكريم في المنام، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: {من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي} أي: مَن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شخصه وصفته التي نقلها عنه المؤرخون، فإنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة؛ لأن الشيطان لا يتمثل برسول الله عليه الصلاة والسلام.
فهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {وَددْنا أنَّا رأينا إخواننا} ويحق لنا أن نتطلع إلى رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تتشوق قلوبنا للقائه، والاجتماع معه، وسماع كلامه، كيف لا، وهو صلى الله عليه وسلم تمنى أن يرانا، ويلقانا -عليه الصلاة والسلام-، فهؤلاء هم السابقون، يتمنون أن يروا اللاحقين، أما اللاحقون فهم يدعون الله تعالى للسابقين قال الله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] فيَدْعُون لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان، ويدعون الله تعالى لهم بالمغفرة، فهذه رابطة الإيمان، ورابطة التقوى.
{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] إنها شريعة واحدة، وشعيرة واحدة، يأخذها اللاحق عن السابق، وتتوارثها الأمم والأجيال، جيلاً فجيلاً، ورعيلاً فرعيلاً.