هذه الأمة في موكب الأمم السابقة

{كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] إذاً أنتم أمة من ضمن أمم كثيرة تعبدها الله تعالى، فسمعت وأطاعت وذلت وخضعت لأمره، كلهم كانوا مسلمين، وكانوا مؤمنين، وكانوا مطيعين، وكانوا من أتباع الأنبياء، وهذه الآية الكريمة تربطك بهم، فلا تظن أنك فرد وحيد معزول في زمن الغربة واستحكام العزلة على أهل الإسلام، وفي زمن انتشار المنكرات، وقلة الطاعات، وكثرة المخالف، وقلة الموافق، لا.

فأنتَ فرد من أمة طويلة عريضة، لها أول وليس لها آخر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أمة في قادتها: آدم -عليه الصلاة والسلام- الذي كان نبياً مكلماً، وفي قادتها: نوح -عليه الصلاة والسلام- الذي بسبب دعوته جعل الله تعالى السماء تنزل الماء والأرض تتفجر به، حتى التقى الماء على أمر قد قُدر، وغرق أهل الأرض، ونجا نوحٌ ومن معه وفي قادتها: موسى -عليه الصلاة والسلام- الذي جعل الله تعالى البحرَ له يَبَساً، لا يخاف دَرَكاً ولا يخشى، وفي قادتها: إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- الذي قال الله: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] وفي قادتها: محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي يقول الخُزَّانُ في الجنة: {بكَ أُمِرْتُ أن لا أفتح لأحد قبلك} .

فهي أمة ممتدة في شعاب الزمان، ضاربة في جذور التاريخ، وهي أمة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ففي الصحيح: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس} أمةٌ قاتل أولُها مع نوح، ومع موسى، ومع سائر الأنبياء، ويقاتل آخرُها المسيحَ الدجال مع عيسى -عليه الصلاة والسلام- ومع المهدي محمد بن عبد الله رضي الله عنه الذي يبعثه الله تعالى قائداً ومعلماً للمسلمين، فهي أمة عريقة عميقة، كثيرة العدد، عظيمة الوجود، ممتدةٌ في شعاب التاريخ.

فأنت إذاً تنتسب إلى هذه الأمة، وهذه أعظم نسبة، وأوثق رباط، إنه رباط المحبة في الله، ورباط الأخوة، ورباط الدين.

وهذه الآية تذكرك كلما هلَّ هلال رمضان، وكلما سمعتَ صوتَ المنادي، وكلما وقفتَ بين يدَي الله، أنك تسلك طريقاً لستَ فيه بالأول، ولستَ بالوحيد، وإن كنتَ غريباً في بيتك، أو في بلدك، أو غريباً في وطنك، أو حتى غريباً في عالمك، فأنتَ لستَ غريباً على الوجود، فإن الوجود يعْرِفُكَ.

فهذه الشمس التي تشرق عليك وتغرب، ألم تعلم أنها أُمِرَت بالوقوف عن الجريان من أجل يوشع بن نون -عليه الصلاة والسلام- لما غزا قوماً فأدركتهم، فقال للشمس: {أنتِ مأمورة، وأنا مأمور -لئلا تغيب- اللهم احبسها عليَّ شيئاً، فحبست الشمس، حتى فتح الله له} .

قفي يا أخت يوشع خبرينا أحاديث القرون الأولينا يعرفكَ هذا البحر الذي تجمد لموسى عليه الصلاة والسلام، تعرفكَ هذه الأرض التي تشهد بما عُمِل عليها من خير أو شر، كما ذكر الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:1-5] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015