أجهزة الهدم

أما أجهزتنا التي يفترض فيها أن تقوم بدور مضاد، فإن الواقع أن أحسن ما يقال فيها: إنها تتناقض، ففي الوقت الذي تجد أن المسجد يبني ولا يهدم -ورواد المساجد هم خير الناس وبحمد الله، على ما هم عليه- فالذين يترددون على المسجد، ويصلون الجمعة والجماعة، ويحضرون الدروس والمحاضرات، ويشاركون في حلقات العلم، ودروس القرآن الكريم، والمكتبات الخيرية هم بلا شك خير الناس، إجمالاً هم خير الناس.

لكن هذا الجهد الذي يبذل في المساجد توجد وسيلة أخرى تعمل على هدمه، فإن الشاب إذا بنى المجدد لحلقة من إيمانه، أو سلسلة من يقينه في المسجد، فإن ذلك تهدمه الأغنية الخليعة، والمشهد الفاجر، والصورة العارية، وتهدمه أجهزة الرياضة، وقد تهدمه المدرسة أحياناً إذا وجد في المدرسة من لا يحسن تربية الشباب، ومع الأسف قد يهدمه البيت.

فكم من شاب يشتكي بيته، يشتكي من أبويه، حيث إن كثيراً من الآباء الذين لم يكتب لهم الاستقامة في شبابهم، أصبحوا يغارون أن يصبح أولادهم خيراً وأصلح منهم، فأصبح الأب، أو أصبحت الأم يضعون العراقيل في وجوه أبنائهم، فالأب يتحدى ولده، كيف أنت تذهب إلى المسجد قبلي؟ كيف أنت تحارب التلفاز الموجود في البيت ونحن تربينا عليه منذ نعومة أظفارنا، ومنذ طفولتنا؟! كيف تمتنع عن أكل المال الحرام الذي آتي به من البنك؟ تتحداني! وأصبحت الأم هي الأخرى تحارب بناتها أحياناً؛ ولا أقول: إن هذا هو الوضع الغالب، لكنه موجود، فأصبحت الأم تنتقد بناتها على إعراضهن عن سماع الغناء، أو مشاهدة التلفاز، أو امتناعهن من الخروج، أو من الوقوع في الغيبة والنميمة، أو من الأكل الحرام، أو من الوقيعة في أعراض الناس، أو من غير ذلك من المحرمات التي ربما تكون بعض الأمهات قد اعتادت عليها.

إذاً: هناك وسائل كثيرة تهدم ما يبنيه المسجد، أو ما تبنيه وسائل التربية الأخرى، المدرسة قد تبني، والبيت قد يبني؛ لكن على أي حال نحن موافقون ومتفقون على أن هنالك أجهزة تهدم ما تبنيه تلك الوسائل الصالحة.

ولذلك كانت المحصلة النهائية هي أننا وجدنا كثيراً من شباب الأمة يعيشون حالة من التناقض والتذبذب، تجد له وجهين: فيه خير وفيه شر، فيه إيمان وفيه نفاق، فيه تقوى وفيه فجور، فيه حب للخير ولكن فيه ميل إلى الهوى والشر!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015