فساد البيئة: التي تعمل فيها المرأة مثلاً، سواء كانت هذه البيئة: مدرسة، أو مؤسسة، أو مستشفى، أو معهدًا أو غير ذلك، فإن البيئة إذا كانت بيئة فاسدة فإنها تؤثر في نفسية المرأة، وتضغط عليها ضغطاً شديدًا.
وأضرب لذلك مثلاً، وهي رسالة جاءتني من إحدى الأخوات، تتكلم عن هذا الصرح العلماني المعروف معهد الإدارة العامة، تقول: العاملات فيه من الفلبينيات غير المسلمات غالبًا -أقسم بالله لك- أن بعض الطالبات يجدن متعةً في الحديث معهن بكل صراحة، حتى إنها تعمل لها ما يسمى بالحلاوة وقص الشعر وكتابة الأشعار الغزلية وترجمتها، والمسجد عبارة عن مترين في مترين، مَمَر تقطعه ستارة بسيطة، جلستُ مرةً أنصح - ولا يزال الكلام للأخت- بعض طالبات التمريض، فكادوا يكونون عليَّ لبدًا، يقلن: لا يدخلك الدين شوي شوي، وهذا هو الكلام الذي يقولونه لها.
فهذا مثال، وهو مثال صغيرٌ محدود، والمستشفيات مثلاً، مضايقات بعض الأطباء والمراجعين والممرضين، الجامعات وما فيها من اختلاط، وحفلات مختلطة، ورجال يدرسون البنات مباشرة بدون حجاب، وليس عن طريق الدائرة التليفزيونية المغلقة، وقد تكون الدائرة التليفزيونية المغلقة موجودة، وتترك ليتكلم الرجل مع النساء مباشرة، ويأخذ توقيعاتهن بالموافقة على أن يدخل عليهن كفاحًا ووجهًا لوجه!!.
دكتور يشرف على رسالة طالبة، وقد يلتقي بها على انفراد في غرفته الخاصة إلى آخر تلك المهازل التي ليس لها آخر!! وقبل أيام أثيرت قضية قريباً منا جداً، هنا فيالكويت، وقد تكلمت عنها الصحف بشكل مزعج للغاية، وهي أن الدكاترة في كلية الطب هناك يمنعون الطالبات المنتقبات من دخول الفصول، سبحان الله!! لماذا تمنعونهن من دخول الفصول؟! قالوا لك: إذا كانت الفتاة منتقبة -قد لبست النقاب على وجهها- معنى ذلك أن المريض قد يخاف، ولا يكون مرتاحاً نفسياً، ولا يساعد ذلك على العلاج!! فانظر كيف يأتون بالحجج الواهية وإلى هذا الحد بلغت عنايتهم بالمرضى!! وآخر يقول: أنا أقرأ التعبيرات والتأثر على وجوه الطلبة، ومن خلال رؤيتي لوجه الطالب، أعرف إن كان الطالب فهم أو لم يفهم، قبل أو لم يقبل، أُعجب أو لم يُعجب، فكيف أقرأ هذا في وجه الطالبة وهي منتقبة؟! فانظر كيف الحيل، وهي حيلٌ أوهى من بيت العنكبوت، وأتفه من عقولهم! وهذا الكلام السخيف الذي لا ينطلي على أحد، ثم يكتب في الصحف ويقال، وثارت قضية كبرى.
وأنا أقول: يا إخوة! إنما أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، فإذا كان هذا في جامعات الكويت، وهي منا قاب قوسين أو أدنى، فما الذي يأؤمنك أن يكون الدور عليك؟! ولذلك أقول: إنما أُكِلتُ يوم أُكل الثور الأبيض.
فيجب على أصحاب الغيرة أن يتحركوا الآن في هذه القضية وفي غيرها، ويكون لهم مساهمة، وأقل ما نستطيع أن نفعله هو مخاطبة المسئولين وولاة الأمر ومكاتبتهم.
أمر آخر: تلك الصحف الكويتية التي تنشر هذه المهاترات وما هو أحطُّ منها، وقد رمت سهامها، وأصلتت سيوفها على رقاب الخيرين، فما تركت لفظًا من ألفاظ السباب والشتائم في قاموس اللغة، بل وما ليس في قاموس اللغة، إلا وألصقته بهؤلاء الأخيار، وتكلمت فيهم وسبتهم، وشتمتهم وعيرتهم، وقالت الكلام البذيء المفجع المفظع، الذي لا يجوز أن يقال في مثل هذا الكلام، فوالله قصاصاتٌ -أحلف لكم بالله- لو جلست إلى الفجر أقرأها ما انتهت، كلها هجاء للأخيار، وليكن الأخيار فيهم أخطاء، ونحن لا نقول: إنهم ملائكة، لكن إلى هذا الحد، ويهجوهم أناسٌ لهم تاريخٌ معين، فكثير ممن يهجوهم لهم تاريخ معين، إلى يومك هذا.
فأقول: ما هو دورنا؟ أقل ما نستطيع أن نفعله هو أن نمنع دخول هذه الجرائد إلى بلادنا؛ لأنها إنما تُشْتَرى في أسواقنا هنا أكثر مما تُشْتَرى في مكان آخر، ولو أنها أوقفت أو طولبت بأن تكف عن أعراض الأخيار، وأن تتكلم بعقل واعتدالٍ ومنطق، ونحن لا نقول: لا تنتقد الأخيار، بل انتقد من شئت، لكن بالحجة، والبرهان، وبالموضوعية، وبالتعقل، وبالمنطق، وبالكلام، وبالدليل، أما كونك تأتي بألفاظ السباب والتجريح، والتجديف دون دليلٍ ولا حجة؛ وإنما هو مجرد بذاءة وقلة أدب، فقلة الأدب لا يجوز أن نشتريها بأموالنا.
وأقول: أين الرجال؟.
أقل دورٍ يمكن أن نقوم به هو: منع دخول هذه الجرائد والمجلات إلى بلادنا، ومنع بيعها في بقالاتنا، وإذا لم نفلح، فأقل ما نستطيع هو أن نتنادى نحن الأخيار والغيورين، وأن نكلم كل أفراد المجتمع بوجوب مقاطعة هذه الصحف والمجلات، ومحاربتها، وشنَّ حملةٍ لا تتوقف عليها، حتى تتوقف هي عن النيل من ديننا، ومن كرامتنا، ومن مقدساتنا، ومن أخلاقنا، ومن الرجال الصالحين حلول لفساد البيئة: ولعلي شطحت بعيداً في الكلام عن بعض المشكلات التي تتعلق بالأسرة أو بالبيئة التي تعيش فيها المرأة، ومن الحلول في ذلك: مواصلة العلماء وطلاب العلم والدعاة الغيورين بكل ما يحدث داخل تلك المجتمعات إنها ليست أسرارًا ولاخفايا، كيف وهي تنشر في بعض الصحف العالمية؟! أعني بعض ما يجري في مجتمعات النساء هنا، فإذا تحدثت طالبةٌ -مثلاً- أو راسلت أحد الدعاة، حُقق معها بحجة أنها نشرت أسرار الجامعة، أو نشرت أسرار المستشفى، كيف يحدث هذا؟! إننا يجب أن نطمئن جميعًا على الجو الذي تتعلم فيه بناتنا، وتتعلم فيه أخواتنا، ومن حقنا جميعًا أن نعرف عنهن الكثير، مثلاً قبل أيام: نُشر من إحدى الجمعيات النسائية إعلان عن حفل غنائي سوف تحييه المغنية من جدة المدعوة بـ: ديسكفري، وسوف يقام على شرف زوجة فلان، والتذاكر بمائتين وخمسين إلى مائة ريال، والمكان هو المكان الفلاني، والزمان هو الزمان الفلاني، وهذا إعلان يباع في كل مكان، ويوزع في البقالات، فهل هذا من الأسرار حين يتنادى الغيورون لمقاومة مثل هذا الفساد؟! إن هذا ليس سراً، وأقول من باب وضع الحق في نصابه: قد وصل إليّ ما وصل إلى غيري من اعتذار تلك الجمعية عن هذا الحفل، وأنه لن يقام، لكن ينبغي أن يعرف ماذا وراء هذا؟ هل فعلاً سيتوقف الحفل، أم أنه سوف يقام سراً بطريقة معينة؟! ومن الذي كان وراء مثل ذلك الإعلان في جمعية نسائية خيرية في مكان ما؟! ومن الحلول: النزول للميدان مهما كانت التضحيات، فالهروب من هذه المجالات عبارة عن هدية ثمينة -كما أسلفت- نقدمها بالمجان للعلمانيين والمفسدين في الأرض، وأرى-اجتهادًا- ضرورة خوض هذه الميادين، وتحمل الفتاة ما تلقاه في ذات الله عز وجل إلا إن خشيت على نفسها الفتنة، ورأت أنها تسير إليها فعلاً؛ لضعف إيمانها، أو قوة الدوافع الغريزية لديها، أو ما شابه ذلك، فحينئذٍ فالسلامة لا يعدلها شيء.
ويجب أن تظل الدعوة هاجسًا قويًا للأخت مع كل الأطراف، فلا تعين الشيطان على أخواتها الأخريات، فحتى تلك التي يبدو فيها شيء من الجفوة في حقها، أو الصدود عنها، أو سوء الأدب معها، يجب أن تتحمل منها، وتتلطف معها، وتضع في الاعتبار أنه من الممكن أن تهتدي، والله تعالى على كل شيء قدير: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص:56] .
ويجب على الدعاة والتجار والمخلصين أن يسعوا جاهدين إلى إقامة مؤسسات إسلامية أهلية نظيفة مستقلة.
فلم يعد مستحيلاً إيجاد مستشفى نسائي خاص، ولم يعد مستحيلاً إقامة أسواق نسائية خاصة؛ بل هي موجودة بالفعل، ولم يعد مستحيلاً إقامة مدارس نسائية خاصة، بل وليس من المستحيل إقامة جامعات، أو جامعة على الأقل خاصة بالنساء، في هذا البلد وفي كل بلد.
وأعتقد أن الظروف الاقتصادية والظروف العلمية والظروف الإسلامية مواتية -الآن- لمثل هذه الأعمال، فقد طال تململ الناس من تلك الأوضاع الفاسدة في عددٍ من المؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية دون أن يطرأ عليها أي تغيير، ولم يجعلنا الله بمنه وكرمه بدار هوانٍ ولا مضيعة، وهاهي أمم الكفر الآن قد سعت في هذا المضمار.
وقد رأيت بعيني جامعات تضم ألوف الطالبات في قلب أمريكا ليس فيها طالب واحد على الإطلاق، مع أن دينهم ليس هو الذي أملى عليهم ذلك -فهم غير متدينين حقيقة- ولكنهم رأوا في ذلك مصلحة ما.
أفليس هذا جديراً بنا؟! كما قرأت في عدد من الأخبار أن هناك فنادق في ألمانيا وغيرها مخصصة للنساء، كما أننا نجد في بعض البلاد العربية والإسلامية بدايات لذلك، فمثلاً سمعت أن في سوريا مستشفيات مخصصة للنساء.
وهنا لابد أن نشير إلى بعض البوادر: إنّ هناك بعض الجمعيات الخيرية وبعض الجهود الفردية كانت وراء إقامة مستشفيات ومستوصفات مخصصة للنساء، تحمي المرأة المسلمة من المشاكل والصعوبات والقضايا الصعبة التي تواجهها المرأة، حينما تذهب للتطبيب في المستشفيات العامة.
بل هي تحل مشكلة كبيرة، فنحن نجد أن هناك جهوداً غير عادية لمحاولة إثارة قضيّة التمريض في أوساط البنات، ودعوتهن إليه بكل وسيلة، وتمنيات كبيرة من قبل المسئولين في الاكتفاء بالممرضات السعوديات كما يقولون.
وأقول: هذا لن يكون أبداً، إلا إذا أوجدنا البيئة الصالحة، التي تستطيع الفتاة أن تجد فيها الحفاظ على دينها وأخلاقها، وهي تقوم بتمريض النساء من بنات جنسها، بعيدًا عن ارتكاب الحرام، وبعيدًا عن الاختلاط بالرجال.
فإذا كنتم تريدون فعلاً من بناتنا وبنات المسلمين أن يدخلن معاهد التمريض والمعاهد الصحية، فيجب عليكم أولاً أن توجدوا البيئة الصالحة التي تُطمئن الفتاة وتُطمئن أهلها، إلى أنها سوف تكون بهذا المكان المأمون المضمون البعيد عما حرَّم الله.
وحينئذٍ نعم، أما أن يزجُّ الرجل ببنته في مثل هذه البيئات التي لا يأمن الإنسان على بنته فيها، والتي يرى فيها من المنكرات الشيء العظيم، فلا أعتقد أن هذا ممكنٌ أبدًا بحال من الأحوال، حتى غير المتدين لا يتقبل هذا؛ لأن الفتاة التي صارت في مثل هذه الأوضاع فإن الرجل إذا أراد أن يتزوجها، فإنه يعزف عنها، فحتى من الناحية المصلحية ومن الناحية الدنيوية، فإنهن سوف يكن بعيدات عن مثل هذه الأمور.