ومن العقبات التي تواجهها المجتمعات الدعوية النسائية: عدم التجاوب من الأخريات -من النساء- ورد بعضهن للدعوة.
وبدءًا أقول: هذه الأمة أمة مجربة، فلست أنت أول من دعا؛ وإنما دعا قبلك كثيرون وكثيرات، وكان التجاوب كثيرًا وكبيرًا، والكفار الآن يدخلون في دين الله أفواجًا، فمن باب أولى أن المسلمين يستجيبون لله وللرسول إذا دعوا إلى ما يحييهم، وإذا أمروا ونهوا.
فأما أسباب عدم التجاوب فإنها ترجع إلى بعض الأمور التالية: أولاً: منها ما يتعلق بالمدعوة نفسها: فقد يكون السبب فعلاً من المدعوة، وذلك كأن تكون شديدة الانحراف، أو طال مكثها في الشر، وأصبح خروجها منه ليس بالأمر السهل، وأصبحت جذورها ضاربة في تربة الشر والفساد، أو صعوبة طبعها وعدم ليونتها، كون عندها شيء من العناد والصعوبة في المراس، أو فساد البيئة التي ترجع إليها، ووجود قرينات سوء يدعونها إلى الشر والفساد وهذا كله يمكن أن يعالج بالصبر وطول النَّفَس، والأناة، وتكثيف الجهود، وربط هذه الفتاة ببيئة إسلامية جيدة جديدة تكون بديلاًَ عن البيئة الفاسدة التي تعيش فيها.
وقد يكون عدم قبولها للدعوة بسبب كبر سنها -كما أسلفت قبل قليل- فيعالج بالوسائل المناسبة.
ومن هذه الأسباب التي تعوق قبول الدعوة ما يتعلق بالداعية نفسها -المرأة التي تدعو- وذلك كعدم استخدامها الأسلوب المناسب، أو عدم قدرتها على الوصول إلى قلوب الأخريات، أوقسوتها، أو شدة تركيزها على أخطاء الآخرين، وهذه مشكلة وهي كون الدعوة تركيزاً على الأخطاء، أو شعور الأخريات بأن الداعية تمارس نوعًا من الأستاذية أو التسلط، مما يحرضهن على مخالفتها ومعاندتها؛ لأنهن يعتبرن عملها هذا مسّاً للكرامة، أو جرحًا للكبرياء، والشيطان حاضر، فيؤجج في الفتاة مشاعر الكبرياء والعزة، فترفض الدعوة ولا تُقبل عليها.
والعلاج: أن تحرص الفتاة الداعية على استخدام أسلوب الالتماس، والعرض، والتلميح، دون المواجهة والضرب في الوجه كلما أمكن ذلك، وألا تُشعر الأخريات بأنها مستعلية عليهن، أو أنها فوقهن، أو أنها تشعر بالأستاذية، أو التسلط عليهن.
ومن العلاج: العناية بشخصية المرأة: عقيدةً، وثقافةً، وسلوكًا، ومظهرًا، ومخبرًا، دون إهمال الأمور المعنوية المهمة والأساسية، بسبب الاشتغال بالقضايا المظهرية فحسب.
أقول: إن (90%) من الأسئلة التي تصل إلي -أيها الإخوة- لا تكاد تتجاوز شعر الرأس إلا إلى أكمام اليدين، أو حذاء القدمين!! إذاً فأين عقيدة المرأة؟! وأين أخلاقها؟! وأين خوفها من ربها؟! وأين معرفتها بأحكام دينها؟! وأين معرفتها بعباداتها؟! وأين معرفتها بالصلاة، والصيام، والزكاة، والحج؟! وأين معرفتها بحقوق الآخرين عليها؟! أين أين؟ كل هذه الأمور لا تكاد تجد عنها أسئلةً! إنما تجد الأسئلة محصورة في موضوعات محدودة جدّاً، وقد قلت ذلك من خلال استقراء لعدد كبير من الأسئلة التي وصلت إلي، ونحن لا نهوّن من أمر شيء من الدين، فالدين كله مهم، ولما قيل للإمام مالك في مسألةٍ ما: هذا أمرٌ صغير، قال: ليس في الدين شيء صغير، والله تعالى يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل:5] .
فالدين كله كذلك، لكن أيضًا رحم الله امرءًا وضع الشيء في موضعه، فمن الحكمة أن يضع الإنسان الشيء في موضعه، فمثلاً: لماذا نهوّن من أمور العقيدة وأمور القلب؟! القلب الذي يقول فيه المصطفى عليه الصلاة والسلام: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله} لماذا لا نعتني بالقلب وصلاحه صلاحاً للظاهر أيضًا؟! ومن العلاج أيضاً: عدم تتبع الزلات والعثرات، فما من إنسان إلا وعليه مآخذ وله زلات، وليس من الأسلوب التربوي أبداً التركيز على ملاحظة الزلات، بل قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني أحيانًا، ويمدح الإنسان الذي يستحق المدح بخصال الخير الموجودة فيه، وكتب المناقب في البخاري، ومسلم، وكل كتب السنة مليئة بمثل ذلك، فيثني على الإنسان بالخير الموجود فيه؛ حتى ينمو هذا الخير ويكبر، وحتى يقتدي به الآخرون في ذلك، لأن مدح الإنسان بالخير الموجود فيه يدعو إلى مزيد منه، وليس شرطاً أن تمدح الشخص، بل تمدح الفئة، أو الأمة، أو الطائفة بالخير الموجود فيهم، فإن هذا يدعوهم إلى مزيد من الخير، وإلى التغلب على خصال النقص الموجودة لديهم، ولا يمنع هذا أن يُلاحظ على الفتاة أحيانًا شيء من النقص، فتُنصح مباشرة في رسالة، أو حديثٍ أخوي مباشر، أو مكالمةٍ هاتفية… أو غير ذلك؛ لكن لا يكون هذا هو الأصل؛ بل يكون طارئاً، بمناسبة وجود غلطٍ معين.
ومن العلاج: عدم محاصرة المرأة المخطئة أو المقصرة، أو المسارعة في اتهامها، فنحن لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس، ولا أن نشق عن بطونهم، ومالنا إلا الظاهر، ولسنا مغفلين بكل تأكيد، لكننا لا نطلق لخيالنا العنان في تصور فساد مستور، أمره إلى الله تعالى، إن شاء عذَّب، وإن شاء غفر، ويقول الله تعالى في الحديث القدسي: {ورحمتي سبقت غضبي} وأحيانًا يتصور الإنسان فساداً، ويغلب على ظنه أنه واقع، لكن ليس هناك داعٍ مادام الأمر مستوراً، أو لم يظهر لك، ولا عندك أدلة عليه، فدع أمر الناس للناس، وقد يتبين لك أن ما كنت تظنه خطأً، وسوء الظن مشكلة تعذب قلب الإنسان نفسه، وقد تسبب أذىً للآخرين، وقد تحول بينه وبينهم في دعوتهم إلى الله تعالى.
فالأمور المستورة دعها إلى الله، ومن أظهر شيئاً أخذناه به، أما المستور فأمره إلى الله تعالى.
وبين اليقظة وسوء الظن خيطٌ رفيع، فبعض الناس عنده تغفيل، والتغفيل مذموم، فقد يرى الفساد ويتجاهله أو يتغافله؛ وهذا لا يصلح، فينبغي أن يكون الإنسان يقظًا واعيًا مدركًا، وفي نفس الوقت سوء الظن يبعده جانباً.