كثير من الأخوات الداعيات تشعر بأنها ليست على مستوى المسئولية، وهذه في الواقع أنها مكرمة وليست عقبة.
والمشكلة هو أن تشعر الفتاة بكمالها أو أهليتها التامة، ومعنى ذلك أنها لن تسعى إلى تكميل نفسها أو تلافي عيبها، ولن تقبل النصيحة من الآخرين؛ لأنها ترى في نفسها الكفاية، أما شعورها بالنقص والتقصير، فهو مدعاة إلى أن تستفيد مما عند الآخرين، وأن تقبل النصيحة، وينبغي أن تعلم الأخت الداعية أنه ما من إنسان صادق إلا ويشعر بهذا الشعور0 ويقول لي الكثيرون من الإخوة الشباب: لو تعرف حقيقة ما نحن عليه؛ لعذرتنا وغيرت رأيك، ونحن لا نقول هذا على سبيل التواضع، أو هضم النفس، ولا نعتقد أن النقص الذي عندنا هو كالنقص الذي عندك أو عند الآخرين؛ كلا! بل نحن مقصرون إلى درجةٍ لا تحتمل والغريب أن هذا الكلام يقوله كلُّ إنسانٍ عن نفسه، فوالله أيها الإخوة، لو نطق أفضل الناس في هذا العصر، لقال هذا الكلام بعينه، ولكنه يدور في قلبه وفي نفسه، ويؤثر ألا يقوله؛ لئلا يفجع الآخرين أو يثبط عزائمهم أو يفتر هممهم، وهذه طبيعة الإنسان، أنه كلما ازداد صلاحه، زاد شعوره بالتقصير، وكلما علم وعرف علمًا جديدًا، ازداد معرفةً بأنه جاهل، كما قال الشاعر: وكلما ازددت علمًا ازددتُ علمًا بجهلي فكلما زاد فضل الإنسان زاد شعوره بالنقص، وكلما زاد جهله وبعده زاد شعوره بالكمال.
وباختصار فإنه ما دامت الروح في الجسد، فلن يكمل الإنسان، وكلما شعر بالتقصير وهضم النفس، كان أقرب إلى الله تعالى وأبعد عن الكبر والغرور.
وقد يبتلي الله تعالى العبد أو الأمَة بنوع تقصير خفي لا يعلمه الناس، يحميه الله تعالى به من داء العجب، ويجعله به دائم الذل لله، ودائم الانكسار والانطراح بين يديه عز وجل، فلا يمنعنَّكِ الشعور بالتقصير من الدعوة إلى الله؛ فإنها من أعظم العبادات التي يكمل الإنسان بها نفسه، وهي من أفضل القربات، ونفعها يتعدى إلى الأخريات، وهي أفضل من نوافل الصوم، وأفضل من نوافل الصلاة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] .
ومن عقبات النفس أيضاً: التخوف والإحجام والتهيب من الدعوة والكلام أمام الأخريات، وهذا لا يمكن أن يزول إلا بالتجربة والممارسة، ففي البداية: يمكن أن تتعلم الفتاة وسطَ مجموعةٍ قليلة، فتلقي كلمة ولو كان مكتوبةً في ورقة، ثم مع مجموعةٍ أكثر، ثم تشارك في المسجد والدروس التي تقام في المدرسة، ثم تبدأ بعد ذلك في إعداد بعض العناصر، وتُلقي ما سوى ذلك من نفسها، وبطريقة الارتجال، ولابد من التدرب، وإلا ستظل المرأة، وسيظل الرجل يقول: لا أستطيع! ولو ظل إنسانٌ يتلقى طُرقَ السباحة -مثلاً- عشرسنوات نظرياً، ما استطاع أن يسبح؛ لكن لو نزل خمس دقائقَ في الماء، وحاول أن يعوم، وخشي من الغرق، ولكنه تغلب، وهناك من يرشده ويؤيده ويساعده ويسدده، فإنه يتعلم في خمس دقائق أو أقل من ذلك.