يؤكد هذا التقرير أن الرؤيا الجديدة للإدارة الأمريكية لا تقوم على رد الاعتداء، وإنما تأخذ زمام المبادرة بالهجوم على أي طرف يحتمل أن يكون عدواً في المستقبل، حتى ولو من دون دليل، أو من دون أسبابٍ تؤكد نية الاعتداء، وهذا ما يسميه التقرير بالضربات الاستباقية.
إذاً هم يقولون: إنه لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى تأتي الضربة أو يأتي العدوان لندفعه، وإنما أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، فعلينا أن نقوم بضربات استباقية، ولعل مما يؤكد صدقية هذا التقرير بدايتهم بالعراق، وهم يقولون في التقرير نفسه: إننا نسعى إلى أعمالنا ومشاريعنا ضمن إطارٍ عالميٍ من التحالف، ولكننا مستعدون أيضاً أن نمضي قدماً بمفردنا إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك.
وهكذا فعلوا هنا، فهم قد تجاوزوا المنظمات الدولية، وتجاوزوا حلفاء الأمس الذين اجتمعوا معهم على ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وانطلقوا بمفردهم مع حلفائهم البريطانيين في حربٍ منعزلةٍ مفردةٍ حرب استباقية، ليس المقصود بها حماية أمريكا من عدوان العراق، ولكن المقصود منها حماية أمريكا وحلفاء أمريكا والمقصود بهم بالدرجة الأولى اليهود.
إذاً: تقوم أمريكا على أساس نظرة استراتيجية تمارس ضربات استباقية لكل ما يمكن أن يشكل خطراً مستقبلياً، وبناءً على ذلك فهم سوف يقومون بحرمان جميع دول العالم التي لا تنطوي ضمن سياستهم وأهدافهم من الحق في التقدم والتصنيع والتسليح؛ لأنهم سوف يشكلون خطراً عليهم، وهو ما يسمونه عادةً بالدول المارقة كما يتحدثون -مثلاً- عن كوريا الشمالية، أو عن إيران، وقد يتحدثون عن سوريا أو غيرها.
تقدم أمريكا نفسها على أنها شرطي العالم، تراقب، وتحاسب، وتكافئ، وتعاقب، وتمنع من الحصول على التقنية، وتنشر ثقافتها ورؤيتها الخاصة المتعلقة بالحرية المتعلقة بالحرب والسلام المتعلقة بالحقوق والتعليم المتعلقة بالإرهاب المتعلقة بتمويل الجمعيات الخيرية وغيرها، وتفرضها على الحكومات وعلى الشعوب.
يقول هذا التقرير في هذه الاستراتيجية: سنحول المحنة إلى فرصةٍ سانحة.
يعني: إن الأزمة التي مرت بهم بعد (11) سبتمبر سوف يحولونها إلى فرصة؛ ليقوموا باستدراك كثيرٍ من الخلل والنقص والعيب الذي ينتظم سياستهم، وهم يسمون من لا ينطوي تحت لوائهم بأنه مارق أو خارج على القانون، وكيف لا؟! فهم الذين يصنعون القانون، وهم الذين يكتبونه، وهم الذين ينفذونه.
ودعوى القوي كدعوى السباع من الناب والظفر برهانها