مثلاً: اليسر في الدعوة.
تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما دعا، قال لقريش: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} ما قال: هؤلاء القوم مشركون ووثنيون، وقديمو عهد بكفر، ولذلك لابد أن نقدم لهم برنامجاً متكاملاً من الألف إلى الياء، يشمل أمور الدعوة كلها، ويحدثهم في الكبير والصغير والجليل والحقير، لا، إنما دعاهم إلى كلمة واحدة واضحة، ليس فيها تعقيد ولا غموض.
الأعرابي كان يعرف معنى: (لا إله إلا الله) فكان يناديهم: {يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} فجعل الهم كله هماً واحداً، ودعاهم إلى كلمة واحدة وقضية واحدة، ولم يشعبهم في الأموركلها، لماذا؟ لأن هذه الكلمة هي المفتاح، فإذا قبلوا هذه الكلمة انتهى كل شيء، وزالت الحرب، وانتهت الخصومة، وأصبح هؤلاء القوم مسلمين، وبدأوا بعد ذلك يتقبلون كل شيء أتاهم عن الله عز وجل.
فهكذا كانت سيرته، وديدنُه صلى الله عليه وسلم، ينزل في القبائل قبيلة قبيلة، وفي المواسم في الحج، وفي الأسواق وفي نوادي قريش، وفي المسجد الحرام، وكل ما يقوله صلى الله عليه وسلم يثير معركة واحدة فقط، هي معركة الألوهية، معركة التوحيد: {يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا} .
وقد أجَّل صلى الله عليه وسلم كل شيء آخر غير هذه الكلمة وغير هذه الخصومة، لأن هذه الكلمة من شأنها أن تنهي جميع الخصومات التي يمكن أن تقوم.
كان الرجل من الناس يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قضى خمسة وعشرين سنة في الجاهلية، وقضى خمسة وثلاثين سنة وهو يسجد للآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فيجلس إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دقائق، أو ربع ساعة على أكثر، فيعلمه الدين والإسلام، ويخرج هذا الرجل -لا أقول مسلماً- بل يخرج مسلماً مؤمناً داعيةً إلى الله عز وجل.