الحجامة

أما بالنسبة للحجامة؛ فقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الحجامة تفطر الصائم، ونقل هذا عن جماعة من الصحابة، وهو مذهب ابن عباس رضي الله عنه وغيره، وقال به الإمام أحمد -رحمه الله- وجماعة من الأئمة والسلف، ومن أقوى أدلتهم قوله صلى الله عليه وسلم: {أفطر الحاجم والمحجوم} .

وذهب جمهور أهل العلم، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة، وجماعة قبلهم من الصحابة والتابعين، فهو مذهب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وأم سلمة وجماعة من التابعين، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، والثوري وغيرهم، فهؤلاء يرون أن الحجامة لا تفطر الصائم، وأن قوله صلى الله عليه وسلم: {أفطر الحاجم والمحجوم} منسوخ بأدلة كثيرة قوية منها: فعله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم} ومثله حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم: {أرخص في الحجامة للصائم} وقوله رضي الله عنه "أرخص في الحجامة" دليل على أن هذا الحكم كان قبله منع، فإن الرخصة تكون بعد عزيمة وبعد منع، فالظاهر -والله تعالى أعلم- أن الحجامة لا تفطر الصائم، وعلى الإنسان أن يحرص ألا يحتجم في نهار رمضان؛ من أجل الخروج من الخلاف وإبراء الذمة واطمئنان القلب، فإنه لا حرج عليه قط عند أحد من أهل العلم أن يؤخر الحجامة إن احتاج إليها أن يؤخرها إلى الليل.

ومثل ذلك أيضاً: ما يسمى اليوم بالتحليل، فإذا كان يمكن تأجيل التحليل إلى الليل، أعني تحليل الدم، فهو أولى من أجل براءة الذمة، لكن لو كان ذلك غير ممكن فحلل الإنسان الدم في نهار رمضان فإن صومه صحيح، ولا قضاء عليه ما دام لم يفطر, أما إن أفطر فإن بعض التحليلات يقولون له: لا بد أن نأخذ الدم وأنت صائم، ثم نأخذه وأنت مفطر، فحينئذٍ لا يجوز له أن يحلل في نهار رمضان، بل عليه له أن يؤجل التحليل إلى الليل، اللهم إلا أن يكون ذلك لازماً ولا بد منه لضرورة، فحينئذٍ يحلل؛ وعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفطر فيه، هذا مع أن التحليل هو في الغالب دم يسير لا يقاس بالحجامة التي يخرج فيها من المريض دمٌ كثيراٌ.

إذاً الخلاصة في هذه المسألة: أن خروج الدم من الصائم بجرح لا يؤثر في صيامه -إن شاء الله تعالى-.

أمَّا الحجامة فبعض أهل العلم قال: إنها تفطر؛ استدلالاً بحديث: {أفطر الحاجم والمحجوم} والجمهور قالوا: لا تفطر؛ استدلالاً بحديث ابن عباس {احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم} وبحديث أبي سعيد الخدري {أرخص النبي صلى الله عليه وسلم بالحجامة للصائم} , أما بالنسبة للتحليل فإنه لا يفطر، وإن أمكن تأجيله إلى الليل فهو أحوط وأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015