أيها الإخوة هذه هي معظم المسائل المتعلقة بالأخطاء المشهورة بالنسبة للصائمين، وقبل أن أغادر هذا المكان، أود أن أقول لكم: إننا سنعمل في كل ليلة على أن نجمع على ما تيسر من أموال المسلمين؛ لدعم ومساعدة إخوانهم في كل مكان، وفي هذه الليلة سوف يتم الجمع بعد نهاية صلاة التراويح مباشرةً لصالح إخوانكم المسلمين في البوسنة والهرسك، وأرجو منكم -أيها الإخوة والأخوات- أن تبذلوا ما تجود به أنفسكم في هذا السبيل، فإن الأمر عظيم والخطب جليل، والكارثة التي ألمت بالمسلمين هناك لا تكاد توصف، أما بالنسبة لكم أنتم أيها الرجال، فلتعلموا أن أمثالكم من الرجال الأشداء الأقوياء هناك يتحرقون إلى قطعة سلاح يدافعون بها عن أنفسهم، وعن أعراضهم، وعن بلادهم، فلا يستطيعون، وفي البوسنة والهرسك أكثر من مائة ألف شاب أقوياء؛ الواحد منهم لو أردت منه أن يهد جداراً لفعل، لكنه لا يملك قطعة سلاح يدافع بها عن نفسه، وربما لو تمكنوا من عشرات الملايين من الدولارات لاستطاعوا أن يحرروا كل شبر في بلادهم.
والله لتسألن عن هذا الأمر أيها الأحبة، فعليكم أن تقفوا مع إخوانكم في الدعم بقدر ما تستطيعون، أما أنتن -يا معشر النساء- فلكن أن تتذكرن الكلام الذي قلناه مراراً؛ أن أكثر من مائة وعشرين ألف مسلمة قد انتهكت أعراضهن بالاغتصاب؛ بل أحيانا بالاغتصاب الجماعي، من هؤلاء الوحوش الخنازير، أعداء الإسلام النصارى الصليبيين، أكثر من مائة وعشرين ألف فتاة ما بين السادسة إلى السبعين من عمرها، منهن أكثر من ستين ألفاً حوامل!! وإذا حملت المرأة احتجزوها في معسكرات حتى لا تتمكن من إسقاط الحمل!! يريدون أن تلد وتنجب أولاداً من النصارى حتى يلاحقها الذل والعار إلى الموت.
وبالأمس نشرت الصحف مجموعة لرجال ونساء عراة من المسلمين في معسكرات الأسراب، لم يبق من واحدهم إلا جلد على عظم، وهم يمشون مثل الكلاب على أقدامهم وركبهم وأيديهم مطأطئي الرءوس ترهقهم الذلة وتغاشهم الكآبة، ووراءهم جنود الصرب، أسلحتهم مشهرة إلى رءوس المسلمين، يطلبون منهم أن يزحفوا زحفاً طويلاً بهذه الطريقة، وعلى الجليد والثلج، وفي وسط المخاوف، وكل من أبدى تردداً أو عجزاً أو ضعفاً أو لم تحمله رجلاه فإنهم يصوبون السلاح إلى رأسه، لقد تخلى العالم كله عنهم وبقيتم أنتم يا أهل التوحيد، يا أهل لا إله إلا الله، فيجب عليكم أن تقفوا معهم، اصدقوا الله تعالى.
إنني أعجب! وحق لي أن أعجب أن نطالبكم بالبذل، ثم ننظر ما حصيلة هذا الجمع في مسجد ضخمٍ كبيرٍ كهذا المسجد المبارك، يحضره ألوف بل ربما عشرات الألوف، فإذا نظرنا وجدنا أربعين ألف ريال، سبحان الله حتى الزكاة يجوز أن تدفعها لهؤلاء المسلمين، والنهاية أربعون ألف ريال، ما الذي يجعل النصارى وهم أهل شرك وتثليث وإلحاد ولا يرجون من الله شيئاً، ومع ذلك يجمعون مئات الملايين من الدولارات؟! وأنتم أيها المسلمون تتراجعون وتتأخرون! ما الذي يجعل أولاد النصارى يأتون من روسيا؟! وقبل أمس جاء في الصحف أن أكثر من عشرة آلاف شاب أرثوذوكسي من النصارى من القوميين المتعصبين الروس، ينضمون إلى القتال في صفوف الصرب، يشدون عزائم إخوانهم من أهل الكتاب، أما المسلمون؛ فعدد المسلمين الذين يقاتلون هناك إلى جوار إخوانهم يقدر بالمئات!! دعك من القتال بالنفس، نحن لا نطالبك الآن أن تجاهد بنفسك، إنما نطالبك أن تجاهد بمالك، وما نريده منك ليس مائة ريال أو ألف ريال، بل نقبل منك حتى الشيء اليسير {ولا تحقرن من المعروف شيئاً} .
وأنتِ أيتها المسلمة لا تحقري من المعروف شيئاً ولو من حُليِّكُنّ كما قال صلى الله عليه وسلم: {والمرء في ظل صدقته يوم القيامة} .
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {سبق درهمٌ ألف درهم} , {وإنما الأعمال بالنيات} ولو ريالاً، فإن فيه خيراً كثيراً -إن شاء الله- لكني أطالب أهل الغنى والجدة واليسار أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم، والله ثم والله لسوف تسألون عنهم، يستصرخون بكم ويستنجدون ويصيحون، والعالم الغربي الكافر يجد نفسه مضطراً إلى أن يظهر الغضب والانزعاج، ويقف ولو إعلامياً إلى جوار المسلمين؛ ثم يخذلهم إخوانهم المسلمون!! أعرف ماذا يقول بعضهم! يقولون: المسألة طالت وما بأيدينا شيء، هذا أمره عند الله تعالى ولو طالت نحن لا نطالبك بشيء من نفسك: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُم ْ} [النور:33] .
وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] .
نحن نقول لك أخرج الزكاة يا أخي، أنت تعطي زكاتك لفلان، وقد يكون محتاجاً ولكن ما هي حاجته؟! سيشتري أشياء إضافية للمنزل أو ما أشبه ذلك، وربما عليه ديون قابلة للتأجيل، وربما يكون بعض الكماليات، وربما امرأة تشتري بها ذهباً تتجمل به أو تجمل به بناتها، ولكن أمامك الآن ناس يموتون جوعاً وعطشاً ومرضاً في الصومال، وأمامك مصائب أمم بأكملها، وكوارث حلت بشعوب تقدر بالملايين، أفلا تعقل؟! أفلا تدرك؟! أتقيس مأساة فرد بمأساة أمة؟!! ومصاب بيت بمصاب شعب بأكمله.
إنني أطالبكم أيها الإخوة المسلمون وأيتها الأخوات المؤمنات: أطالبكم مجدداً أن تصدقوا الله تعالى في هذه الليلة بالذات، ولعله ألا يخرج الواحد منكم -بإذن الله تعالى- إلاَّ وقد غفر له بصدقة نوى بها وجه الله تعالى، لا يعلم بها أحد، تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] وربما ينصر الله إخوانكم المسلمين بهذا المال، وأؤكد لكم أننا وغيرنا من الذين يجمعون التبرعات نستطيع بحمد الله تعالى أن نوصلها إلى المسلمين هناك، وتسد فاقاتهم وفقرهم، ونشتري بها الأطعمة، والحليب، والملابس، والأغذية، والأكسية، والسلاح، وكل شيء ممكن بالمال، كل شيء ممكن المشكلة الوحيدة هي المال! ويا معشر النساء: أدعوكن إلى الصدقة ولو من حليكن، وأنبه بعض الشباب أنه بمجرد أن تنتهي صلاة الوتر عليهم أن يقفوا على الأبواب، ويحرصوا على جمع ما تجود به نفوس إخوانهم، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا في هذه الساعة المباركة وفي هذه الليلة المباركة، لكل من تصدق وأنفق مما يستطيع ولو بالقليل، أن يجعل الله تعالى ذلك له صحةً في بدنه، وطولاً في عمره، وسعةً في رزقه، وعافيةً وعفواً في الدنيا والآخرة، وصلاحاً في ولده، وسعادةً في قلبه، ورفعاً في درجاته؛ إنه تعالى على كل شيء قدير.
الخاتمة: اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأعنا ولا تُعن علينا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم أصلحنا يا مصلح الصالحين، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.