كما أنه لا يجوز أن يكون المقصود بالعبادة أن تفتح على الإنسان أمور الغيب والكرامات التي قد تحصل، فبعض العباد قد يعبد الله طويلاً من أجل أن يحصل له كرامة، هو يسمع أن فلاناً سافر إلى المكان الفلاني بدون طعام ولا زاد ولا راحلة، وفلان رأى كذا، وفلان رأى كذا من الكرامات، فقال: أتمنى أن يحدث لي مثل ما حدث لفلان وفلان.
فصار يتعبد، ويصوم النهار، ويقوم الليل من أجل يحصل له كرامة -أي أمر خارق للعادة- مثل: أن يكلمه ميت مثلاً، أو يصل إلى مكان بعيد في مدة وجيزة، أو ما أشبه ذلك.
فهذا مما لم نؤمر أن نتعبد من أجله، بل إن الإنسان الذي يتعبد من أجل هذا العمل لا يحصل له، ولذلك يقال أن أحد الناس سمع حديث أن من تعبد الله تعالى أربعين يوماً ظهرت ينابيع الحكمة على لسانه، فصار يتعبد أربعين يوماً حتى يرى ينابيع الحكمة من لسانه، وإذا بهذا الرجل لا يستطيع أن يتكلم إلا بكلام يشبه كلام مسيلمة الذي كان يعارض به القرآن.
فشكا إلى أحد الناس فقال له: أصلاً أنت لم تتعبد لله أربعين يوماً، إنما تعبدت للحكمة؛ فلم يتحقق فيك الشرط، لذلك لم تظهر ينابيع الحكمة على لسانك! إذاً لا ينبغي للإنسان أن يتعبد من أجل حصول الكرامات، ولعل مما يدخل في هذا الباب أن بعض الناس يعبد الله؛ طمعاً في أن يرى رؤيا صالحة، فتجده يتعبد ويصلي ويذكر الله من أجل أن يرى في المنام رؤيا صالحة يسر بها أو يتحدث بها.
ولا شك أن الرؤيا الصالحة عاجل بشرى المؤمن، لكن يعطيها الله من يشاء، ويعطيها الله من تأهل لها، والتأهل لها يكون بالعبادة التي يقصد بها وجه الله، لا يقصد بها أن ترى رؤيا صالحة، أو ترى كرامةً من الكرامات تحصل لك؛ بل اعبد الله لطلب مرضاته وثوابه، والخوف من عقابه، وهذه الأمور كلها قد تأتي تبعاً وقد لا تأتي، فمن المعلوم أن الكرامة -كما ذكر أهل العلم- قد تحصل للمفضول ولا تحصل للفاضل، فهي مما لا ينبغي للإنسان أن يسعى في طلبه.