معنى النية

أما المقصود بالنية: فهي القصد والتوجه الذي يرمي إليه الإنسان من خلال أعماله، يستوي في ذلك نية العمل ونية المعمول له، فنية العمل تميز بين نية العبادة من العادة، أو نية المعمول له، ومن يريد الإنسان بعمله، هل أراد الله -تعالى- أم أراد غيره.

إن النية من أعظم العبادات وأجل القربات، حتى قال الإمام ابن حزم رحمه الله: النية سر العبودية وروحها، وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، إذ هو بمنزلة الجسد الذي لا روح فيه، فهو جسد خراب، ومع هذه الأهمية العظيمة للنية فإن الكثير من الناس يغفلون عنها، وقد تجد الكثيرين يتنافسون في الأعمال؛ كالتبكير إلى الصلاة -مثلاً-، وكثرة قراءة القرآن، أو قيام الليل، أو الصدقة، وهذه لا شك من الأعمال الفاضلة التي يؤجر عليها الإنسان، لكن هذه الأعمال مفتقرة إلى نية، فإذا خلت من النية لم يكن لها ثمرة، بل على العكس تصبح ضرراً على صاحبها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن النية تنفع الإنسان بذاتها، فإذا نوى الإنسان العمل الصالح ثم لم يتمكن منه رزقه الله تبارك وتعالى ثواب ذلك العمل، كما في أحاديث كثيرة جداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسبب في تنافس الناس في الأمور والأعمال الظاهرة، وعدم تنافسهم في النية والقصد: أن النية محلها القلب، فلا يدري أحد عن أحد ما نيته وما قصده، فيقل فيها التنافس، وإلا فإن الإنسان لو تأمل لأدرك أن النية هي الرحى التي تدور عليها الأعمال، وأن العناية بتصحيح النية وإصلاحها يجب أن يكون أعظم من العناية بتصحيح الأعمال الأخرى وتكثيرها؛ لذلك أمر الله تعالى في كتابه بالإخلاص في العبادة في مواضع كثيرة ليس هذا موضع بسطها، ويكفي أن الله تعالى عد الإخلاص هو الدين فقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5] فالإخلاص لله في العبادة هو دين القيّمة، وهو الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين، وهو دعوة الناس إلى إخلاص العبودية لله تعالى، وهذا هو لب النية: أن يقصد الإنسان في عبادته وعمله وجه الله عز وجل.

ولذلك تعجبني الكلمة التي ذكرها أحد العلماء وهو الإمام عبد الله بن أبي جمرة يقول: (وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النية ليس إلا) يقول: (فما أتي كثير ممن أتي إلا من تضييع ذلك) إذاً فـ ابن أبي جمرة يقترح على الفقهاء أن يكون من بينهم من يتفرغون لتعليم الناس قضية النية، وتصحيح النية، ومعنى النية، والسبيل إلى إصلاحها، وأحكامها، وما يتعلق بها، وهذا من فقهه رحمه الله؛ لأن النية شأنها عظيم، حتى أن العلماء لما تكلموا عن حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رواه أئمة الحديث كـ البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد والدارمي ومالك في الموطأ، وغيرهم، وهو حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} منهم من عده ربع الإسلام، ومنهم من عده ثلث الإسلام؛ وما ذلك إلا لأن مدار الأعمال كلها على النية؛ ولهذا فـ ابن أبي جمرة رأى أن يتفرغ من الفقهاء من يعلم الناس النية، كما تفرغ من يعلم الناس كيف يصومون، وكيف يصلون، وكيف يحجون.

كذلك يجب العناية كثيراً بإصلاح القلوب، وتصحيح المقاصد، وتربية الناس على النية الحسنة في كل شيء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015