كان سفيان الثوري رحمه الله يقول عن سلفه من الأئمة والعلماء: كانوا يتعلمون النية كما تتعلمون العمل أي أن الناس منذ القديم أولعوا بتعلم الأعمال أكثر من ولعهم بتعلم النيات، وخذوا على سبيل المثال واقعنا نحن الذي نعيش فيه، ربما يكون أكثرنا يستطيع أن يقوم ليصلي صلاة هي الصلاة الشرعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، كيف يضع يديه، وكيف يركع، وكيف يسجد، وماذا يقدم، وماذا يؤخر، وطريقة القعود في التشهد الأول، وطريقة القعود في التشهد الأخير، وكيفية السلام، وهذه الأشياء لا أريد التقليل من شأنها من أجل الرفع من شأن النية، كلا، فهذه سنن، وبعضها واجبات، بل وبعضها أركان لا تتم الصلاة إلا بها، ويجب على الإنسان أن يتعلم ما تقوم به صلاته وعبادته، هذا لا إشكال فيه.
لكنني أقول: إن بعض الناس؛ بل بعض طلاب العلم -أحياناً- يهتمون بهذه الأمور أو ببعض الجزئيات فيها أكثر بكثير مما يهتمون بقضية النية، فقد تجد طالب علم -مثلاً- يعتني عناية بليغة بكيفية تحريك الأصبع في التشهد، ويعتني عناية بليغة كيف يضع يديه أثناء السجود، وكيف يرفع يديه بالتكبير، وتعلم هذه أمور -كما ذكرت سابقاً- تعلم مطلوب، لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية هذه الأمور، لكن بلا شك أن هناك سنناً زاد الناس في الاهتمام بها، وغفلوا عن ما هو أهم منها، وهو العناية بإصلاح القصد والنية.
وليس هدف هذه الموضوع أن أتكلم عن النية، وأهمية النية، والنصوص الواردة فيها فهذا له مجال آخر، إنما الكلام عن أخطاء في النية.
ولذلك فإنني سوف أصحبكم في هذا الحديث في رحلة أرجو أن تكون غير مملة -إن شاء الله- في ذكر بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في موضوع النية، وأقول: أرجو أن تكون غير مملة؛ لأن من عادة الناس أنهم حين يستمعون إلى موضوعات علمية يتطرق إليهم الملل، فهم بحاجة إلى من يحرك عواطفهم، وينقلهم من نكتة إلى قصة، إلى طرفة، إلى خبر، إلى شعر، إلى غير ذلك.
ولكنني أوثر في كثير من الأحيان -أو هكذا طبيعتي- أنني أميل إلى الموضوعات التي يكون لها طابع علمي مفيد للمستمع، ولو كان فيه بعض الإثقال الذي يتطلب أن يوطن الإنسان نفسه على الاستماع، وسوف أطرح هذه الأخطاء على شكل أسئلة ترد من بعض الناس.