كيف يتعامل أهل السنة مع الناس

Q يتعرض أهل السنة والجماعة في العالم الإسلامي إلى ضغوط مختلفة، ومن أهم هذه الضغوط دعوتها إلى السكوت عن المخالفات لعقيدة أهل السنة والجماعة، وتمريرها تحت شعار عدم إثارة الخلاف بين المسلمين, وهذا أهم معاول هدم هذه العقيدة في النفوس وانتشارها, فما رأيكم في هذا الموضوع؟

صلى الله عليه وسلم بيان الحق لا بد منه, وليس بيان الحق سبباً في الفرقة، وإن كان سبباً في الفرقة فلا يمنع من بيانه ولو افترق الناس, فإن الناس افترقوا بالكفر والإيمان: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] , ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس, يفرق بين الحق والباطل, والقرآن سماه الله تبارك وتعالى فرقاناً، يفرق بين الحق والباطل, والإيمان والكفر, والهدى والضلال.

فأهل السنة والجماعة عليهم أن يقوموا بدورهم في بيان الحق, بل وفي بيان ما عارضه وخالفه أيضاً: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] , فاستبانة سبيل المجرمين وإظهارها وإيضاحها هو جزء من مهمة أهل السنة والجماعة, ولا شك أنهم يواجهون في سبيل ذلك العنت واللأواء، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن هنا واجبهم الصبر على ذلك والثبات, وسلوك الطريق المناسبة، والحكمة وهي وضع الشيء في موضعه, فإن الإنسان أحياناً قد يقول الحق ويقبل منه, وقد يقول آخر الحق نفسه ولا يقبل، وذلك مرجعه إلى الأسلوب.

ولعلي أضرب على ذلك مثلاً يسيراً في قضية جزئية نعيشها جميعاً: يوماً من الأيام زرت إحدى البلاد فقال لي بعض الشباب المتحمسين: إن أساتذة المدرسة الفلانية عندهم معاصٍ، فهم يحلقون لحاهم، ويطيلون ثيابهم ويرتكبون المخالفات, وبعضهم يشربون الدخان, وعجزنا عنهم, لكننا نصحناهم ونصحناهم، ولا يريدون منا أن ننصحهم, يتكلمون علينا، ويعيبوننا وغير ذلك , لو نبهتهم إلى هذا، وقُدِّر أنه كان عندي كلمة في المدرسة نفسها فأخذت على نفسي أنني لا بد أن أتكلم عن هذه الأمور، لكن بطريقة غير مباشرة, فتحدثت عن أمور كثيرة: من أمور الشباب، ومشاكلهم، وأوضاعهم، والمخاطر التي تهددهم في القريب والبعيد, والمخططات المرسومة ضدهم، إلى غير ذلك, حتى اطمأن الحضور، وشعروا بأن هذا الكلام يحتاجون إليه, بعد ذلك تحدثت عن قضية التشبه بالمشركين وخطورتها، وأهمية استقلالية الأمة المسلمة، في عقيدتها، ومظهرها، واقتصادها، وإعلامها، وسياستها، وأن هذا ضرورة لكل أمة، سواء للمسلمين أم لغيرهم, ثم ضربت أمثلة على الانهزامية الموجودة في الأمة المسلمة، هذه الأمثلة أمثلة جزئية كثيرة، لو أخذنا أي تقليد أو عادة أصبحت أمراً مألوفاً لا يكاد ينكره أحد, لوجدناه أمراً مأخوذاً.

انظر مثلاً: مظهر حلق اللحية! من أين أخذنا هذه العادة؟! من الكفار! انظر -مثلاً- قضية أنواع الملابس، قضية طرائق المعاملة والأساليب, إلى غير ذلك, كل هذه الأشياء تقاليد وعادات أخذناها عن الكفار, وهي صحيح جزئية, وقد ينظر إليها بعضهم على أنها صغيرة، لكن إذا ربطناها بالأصل الأكبر، أنه إن نظرنا إلى هؤلاء على أنهم سادة، وأصبحنا نقلدهم كما يقلد الصغير الكبير, والطفل والده, والتلميذ أستاذه وجدنا أنها تشكل انهزامية للأمة يجب أن نكون حرباً عليها, فما أن انتهيت من المحاضرة, إلا وجدت أن الأساتذة كلهم مسرورون من هذا الكلام، مع أن فيها عيب لهم وتصريح إنكار ما هم فيه, حتى قال لي بعضهم: إنك أنكرت علينا هذه الأشياء بطريقة مناسبة, في حين أن بعض الطلاب أو بعض الشباب الصغار ينكرون بطريقة غير مقبولة, حتى أن أحدهم يقف على المنبر مثلاً, فيقول: إن الذي يحلق لحيته فيه كذا وكذا وكذا.

, ويذكر أوصافاً صعبة، وبشعة وما وردت في الكتاب ولا في السنة، وقد يفهمها الناس على غير وجهها.

والحق إذا أتى به الإنسان بطريقة مهذبة، متدرجة حكيمة، فإنه قد يكون هذا مدعاة لقبوله, هذا من جهة.

الجهة الثانية: إذا تحدث الإنسان في أمور عدة، كان هذا مدعاة للقبول أيضاً, بعض الناس يقولون عن أهل السنة والجماعة في بلد من البلاد -مثلاً- أنتم يا أهل السنة ما تعرفون شيئاً, ما عندكم إلا قضايا معينة تتكلمون عنها, أما أمور مشاكل الأمة، وبلاياها ومصائبها، وقضايا الاقتصاد والاجتماع، والسياسة، فأنتم غافلون عنها, والصحيح أن أهل السنة هم أولى الناس بالكلام عن هذه القضايا, فأهل السنة في كل بلد ينبغي أن يتصدوا للمنكرات أياً كانت, وفي أي مجال كانت, بحيث إنه ما يكون همهم مقصوراً في جانب معين، يعيبهم الناس باقتصارهم على هذا الجانب, بل يجاهدون عبر جميع الميادين، وفي جميع المجالات، ومن خلال جميع القنوات والوسائل الممكنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015