Q فضيلة الشيخ: لقد نسي الناس في هذا الوقت، وفي هذا العصر, عقب هذه الأحداث، التوكل على الله عز وجل، والدعاء، والارتباط بالله جل وعلا, فما تعليقكم حول هذا الموضوع؟
صلى الله عليه وسلم التوكل شرط للإيمان: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23] , و"إن" شرطية, فالتوكل شرط للإيمان, لذلك المؤمن لا يكترث للجموع التي تجمع ضده, أرأيت نبي الله شعيباً عليه الصلاة والسلام؟ حين جمعوا له، وهددوه وتوعدوه، لم يخضع لهذه الأشياء، ولم يمتلئ قلبه بالرعب منها، بل قال لهم: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس:71] , {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] .
فالقلب الذي خلا من التوكل على الله عز وجل أصبح خواء، وأصبح مهباً للشائعات والأقاويل والمخاوف, ولذلك انظر المنافقين؛ لأنهم لا إيمان عندهم, كيف كانوا يتعاملون مع الأحداث؟! يقول الله عز وجل {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] , المنافق عندما يسمع أحداً يعلن الجهاد, يقول: هذا الآن يريدني, أيضاً لما جاءت الأزمات، معركة الأحزاب {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:10-11] , هنا تميزت المواقف، هنا بانت الحقائق، وظهرت الأمور، فأما من في قلوبهم زيغ وريب ونفاق فاضطربت قلوبهم واهتزت: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [الأحزاب:12] , محمد يعدنا قصور كسرى وقيصر, والواحد منا لا يستطيع أن يذهب ليقضي الحاجة؟! أما المؤمنون فصقلت الأحداث قلوبهم وثبتتها، فآمنت وتوكلت على الله عز وجل وفوضت إليه, ولذلك قال الله عز وجل: {وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} [الأحزاب:22] .
انظر كيف الفارق بين قلوب المؤمنين وقلوب المرتابين، أو المنافقين، أو ضعفاء الإيمان, ولذلك تجد الناس فعلاً في هذه الأوقات بالذات، ظهرت حقائق كثير من الناس, فأصبح الواحد يركض يمنةً ويسرة، ويحسب كل صيحة عليه, يذهب إلى الأسواق يشتري المؤن والأكياس والسكر والشاي، وأشياء تكفيه لسنوات, حتى يتسبب في أزمة! وتجد الإنسان يسارع في تحويل العملة! وبعضهم يشتري سبائك من الذهب, وبعضهم يحزمون الأمتعة ليغادروا! ولعل من الأسباب أيضاً في ذلك غياب التثبيت والتسكين من المؤمنين, ولذلك فإني أقول: واجب العلماء، والخطباء والدعاة، وأئمة المساجد، والصالحين، واجبهم أن يسكنوا الناس ويثبتوهم، ويهدءوا قلوبهم, ويطمئنوهم، ولا يجعلونهم نهباً للإشاعات والإذاعات المرجفة المبطلة, التي تضخم الأحداث، وتهز القلوب، وتفزع النفوس، خاصة إذا كثر قيل الناس وقولهم وكلامهم، وفيهم الرجل والمرأة، والكبير والصغير، والعاقل وغيره.
فينبغي أن نتوكل على الله عز وجل ونفوض الأمر إليه, ونقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، حينما يأوي الواحد إلى فراشه: {اللهم وجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وأسلمت نفسي إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك, آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت} وإلا ما معنى أن الإنسان يقول بكرة وعشية: حسبنا الله ونعم الوكيل, ثم يتوكل على غير الله! أو يحتسب على غيره وما معنى أن يقول الإنسان في صلاته ودبر الصلاة: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ثم يأخذ من غير الله، فيعتقد أن الأخذ والعطاء والمنع والضر، بيد غير الله عز وجل! لا! أبداً! ينبغي أن تعرف أن الخلق كلهم بيد الله تعالى وما هم إلا أسباب ووسائل يجري الله تعالى، الأمر على أيديهم إذا شاء، لذلك قال تعالى: {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} [هود:56] مثلاً الطبيب الذي عالجك, ليس هو الذي شفاك، الله الذي شفاك، وأجرى الشفاء على يد هذا الطبيب، وفرق بين من يشفى ويقول: والله الطبيب شفاني, ويرسل بطاقة شكر, وبين من يقول: الحمد لله، من قلبه وهو يشعر أن الشفاء من الله, أنا لا أعترض على رسالة شكر للطبيب، لكن أقول مع إرسال بطاقة الشكر للطبيب يجب أن تعرف أن الذي عافاك حقيقة هو الله, فيجب أن تبالغ في شكره بقدر ما تستطيع.
وخلاصة ما يمكن أن أقوله باختصار: أن من ضمن المعاني التي ضمرت في نفوس المسلمين -مثل ما ضمر عندهم معنى العبادة مثلاً- معنى القضاء والقدر, ضمر في نفوس المؤمنين، ومعنى الجهاد, فأصبحنا إذا سمعنا كلمة الجهاد لا نفهم منها إلا حمل السيف، أو الرشاش، أو البندقية والقتال, وهذا قصر للأمر على بعض أفراده، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كما في حديث فضالة بن عبيد وغيره, وهو حديث صحيح {المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله, والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه} , فالجهاد شامل, هناك جهاد النفس, وجهاد المنافقين, والكفار, والظالمين، وجهاد الشيطان, فهي أنواع من الجهاد, وكلها تحتاج إلى جيوش من الناس تجاهد, فليس هناك شيء جديد لواقع المسلمين في موضوع تسلط المنافقين, في كثير من المجالات، والمؤسسات، والدوائر، والوسائل الإعلامية، والمواقع، بل والدول، تسلط المنافقون منذ سنين, إذاً لماذا لم نعلن الجهاد؟ وفتحنا جبهات لجهاد المنافقين, جهاد المنافقين ليس بالسيف, بل جهادهم بالحجة والعلم والمناقشة، والنزول إلى الميدان, وبكشف ألاعيبهم وفضحهم بها.
ومن جانب آخر الجهاد أنواع: الجهاد بالمال، الجهاد بالنفس، الجهاد باللسان، وكل هذه ألوان من الجهاد, فليس صحيحاً أن الجهاد فقط أن يذهب الإنسان ويلقي بنفسه في المعركة, هذه صورة من مئات الصور المتصورة في الجهاد، وأقول للشباب المسلم خاصة: ينبغي أن نعيد النظر في فهمنا للجهاد, ليس الجهاد هو القتال, الجهاد أعم من ذلك بكثير, وألوان الجهاد ومجالاته كثيرة, والأمة لم يطرأ عليها جديد في واقع حياتها، فيما يتعلق بالجهاد بالمفهوم الأعم الواسع, والذي أحذر منه أن يتحول هذا المعنى العام للجهاد إلى معنىً خاص عند كثير من الشباب هو عبارة عن استجابة لثورة حماس مؤقتة، هنا أو هناك, تنتهي وتذهب أدراج الرياح.