إن الإسلام لم يقنع منك أن تكون عالماً بالشرع فقط، أو أن تضيف إلى ذلك تزكية نفسك تزكية شخصية، وتزكية أولادك وزوجتك، ومن ائتمنك الله عليهم فحسب، بل عليك أن تضيف إلى هذين الأمرين أمراً ثالثاً، يعتبر عربون دينك وإيمانك، وانتسابك إلى (الإسلام) هذا الاسم الشريف العظيم، وإلى هذا المجتمع الكبير، المجتمع المسلم.
هذا الأمر هو: أن تكون متحمساً لقضايا المسلمين، متعاطفاً مع أمورهم، فلا تعتقد أن ما يصيب المسلم في المشرق أو في المغرب قضية خارجية لا تعنيك، أو شأن خاص بدولة من الدول، بل تعتقد أن من علامة صدق الإيمان في قلبك؛ أن يتحرك المؤشر كلما سمعت خبراً؛ فإن كان الخبر ساراً تحرك المؤشر بالفرح والسرور، وإن كان الخبر مزعجاً تحرك المؤشر بالحزن والتعاطف مع قضايا المسلمين بقدر ما تستطيع، وأنت تستطيع الكثير، ولو لم تستطع إلا الكلمة الطيبة لكانت الكلمة الطيبة صدقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن الذي يَحُول بينك أن تتحدث عن قضايا المسلمين وهموهم؟! أو تشاطرهم أفراحهم وأتراحهم وأحزانهم، أو تعمل على توعية من حولك بما يعانيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من ألوان الاضطهاد والتنكيل؛ التي تبدأ بمحاولة نقلهم عن دينهم إلى دين آخر سواء أكان هذا الدين هو النصرانية، أم كان هذا الدين هو العلمانية، أم كان هذا الدين هو الإعراض عن دين الله عز وجل والجهل به، وهو ما نشهده في كثير من الشعوب الإسلامية التي تحمل (بطاقة مسلم) أو هوية مسلم، لكنك حين تسأله، تجده يجهل كل قضايا الإسلام بدْءاً بقضية التوحيد، وشهادة أن محمداً رسول الله التي أصبح من المسلمين من يجهلها، وانتهاءاً بالأحكام الشرعية التي لا يفهم الكثير منها إلا أقل القليل، ومروراً بتجهيل المسلمين لأمور دنياهم؛ ليصبحوا عالةً على عدوهم فهم يستوردون من عدوهم كل شيء، ويعتمدون على عدوهم في كل شيء.
لا أقول في السلاح فقط، بل يعتمدون على عدوهم في الثوب الذي يلبسونه، والنعل الذي ينتعلونه، والسيارة التي يركبونها، والبيت الذي يسكنونه، والورق الذي يكتبون فيه، والقلم الذي يكتبون به، وكل وسائل الحياة التي يحتاجون إليها، فأصبحوا عالةً على عدوهم، فأمسك العدو بِخِناقِهم، وأصبح المسلمون في كثير من البلاد يحكمهم نصراني، فيجعل التعليم لأبناء النصارى، ويجعل الوظائف لأبناء النصارى ويجعل البعثات العلمية لهم ويجعل المواقع الحساسة لهم.
أما المسلم فأصبح حظه فقط هو: أن يكون مستهلكاً ومستعمَراً ومهَجناً وليس له من الأمر شيءٌ قليل أو كثير، وانتهاءاً بالتضييق عليه ومحاولة تصفيته جسدياً، والقضاء عليه بما يسمى بالتطهير العرقي الذي يعمد إلى القضاء على المسلم حتى وإن كان ضعيفاً، وحتى لو كان مسلماً جاهلاً، ولو كان مسلماً لا يقدم لدينه أي شيء، فأصبح الكفار لا يطيقون من يحمل اسم محمد أو علي أو صالح أو يحمل في هويته أنه مسلم، أو ينتسب إلى عروقٍ إسلامية، ولو كان لا يَمُتُّ للإسلام بأدنى صلة، وهم يقتلون المسلم بالهوية اليوم في عدد من البلاد القريبة والبعيدة.
فلابد أن تتحدث عن هذه القضايا، ولابد أن تشاطر المسلمين بالكلمة الطيبة على أقل تقدير، والكلمة الطيبة منك لا تكفي؛ لأنك أكثر من ذلك، فتملك المشاركة الحقيقية، المشاركة بالمال -مثلاً- في قضايا المسلمين، فمثلاً: نكبة المسلمين في الصومال التي نستطيع أن نقول: إنها نكبة القرن، وإن الصومال اليوم هو أفقر بلد في العالم، وأنه يعيش كارثة وأزمة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، تهدد بإبادة شعب بأكمله من الوجود.
أتعلم لماذا؟ صحيحٌ أن الجانب القَدَرِي في هذا واضح وهذا قضاء الله تعالى وقدره، ومسألة الجفاف لا يد لأحد فيها، ولكن ثَمَّت سببٌ آخر: هو أن أصابع النصارى واضحة فيما يجري، فالصومال هو البلد الأفريقي الوحيد الذي يسكنه المسلمون فقط (100%) مسلمون، ولا يوجد فيها نصراني واحد، ولم يكن فيه قبل بضع سنوات كنيسة واحدة، فعَمِل النصارى على تمزيق هذا البلد، وقسموه إلى خمسة أقسام واستعمروه، وحاولوا أن يسلطوا عليه الأعداء بعد الخروج منه حتى أثاروا النعرات القبلية، ومازالوا يخططون ويكيدون ويمكرون مكر الليل والنهار، حتى أصبحت الصومال تواجه هذه الأزمة الخانقة التي تعيشها اليوم، واستطاع النصارى أن يستغلوا هذه الكارثة بمحاولة تنصير أعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً.
يقول أحد المسلمين -وهو يبكي-: والله لقد كنا يوماً من الأيام نسأل الله -ونحن في قلب الصحراء- أن لا نرى بأعيننا نصرانياً أو كافراً على وجه الأرض، فإذا بنا اليوم نفرح؛ لأننا نجد النصراني؛ لأننا نجد عنده الغذاء والدواء والكساء.
والله لقد كنا يوماً من الأيام إذا وجدنا إناءً أكَلَ فيه نصراني أو شَرِبَ؛ غسلناه سبع مرات إحداهن بالتراب، كما نفعل إذا شرب فيه الكلب، أما اليوم فقد أصبحنا نَهشُّ للنصارى ونَبشُّ، ونستقبلهم بالبشر والترحاب؛ لأننا أصبحنا نجد عندهم الإغاثة التي لم نجدها مع الأسف عند إخواننا المسلمين، وأصبح ما يزيد على مليوني مسلم يتعرضون إلى عملية جادة تستهدف تحويل الصومال إلى دولة نصرانية.
فأنت تستطيع حين تسمع هذا أن تشارك بالمال، أو تؤدي بعض شكر نعمة الله تعالى عليك بالزكاة أو غيرها من الصدقات، التي قد تطعم بها جائعاً أو تكسو بها عرياناً، أو تعالج بها مريضاً، أو يهدي الله بها رجلاً واحداً يتعرض للتنصير والتكفير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {تصدق رجل مِن ديناره، ومِن درهمه، مِن صاع بُرِّهِ، من صاع تَمْرِهِ} حتى قال - عليه الصلاة والسلام -: {فاتقوا النار ولو بشق تمرة} .
إذاً لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو كان ذلك شق تمرة، أو ريالاً واحداً، فأنت لو تصورت أن ألف مليون مسلم اليوم، أو ألف ومائتي مليون مسلم، لو أن كل واحد منهم تخلى عن ريال فقط؛ لكان معنى ذلك أننا جمعنا في حملة واحدة ملياراً ومائتي مليون ريال، كم سوف تنفع هذه الأموال بإذن الله تعالى؟! لكن المشكلة العظيمة أن الكثير تخلوا عن دورهم ولو كان دوراً محدوداً، أو قليلاً، وظنُّوا أن المطالبة بالإنفاق، وأن المطالبة بالبذل هي مسئولية الأغنياء فقط، كما تخلوا عن دورهم في الدعوة والهداية، وظنوا أن الدعوة والهداية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مسئولية العلماء فقط، أو الدعاة، أو مسئولية الخطباء فقط، ونسوا أن الله تعالى حين خلقنا جميعاً خلقنا بشراً مسئولين، وحين أنزل الدين لم يقل أبداً إن الدين مسئولية فئة خاصة، ولا مسئولية طبقة معينة، وإنما جعل مسئولية هذا الدين على عاتق كل واحد منا، سواء أقام بها وحفظها أم ضيعها، فهو مسئول عنها أمام الله تعالى، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44] .
أسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم للقيام بما ائتمنَّا عليه، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.