أهمية تزكية المسلم لنفسه

إن الإسلام حملك مسئولية شخصية في وجوب تزكية نفسك بهذا العلم، فأي معنى أو قيمة لعلم يكون محصوراً في نفسك وعقلك ولم يتحول إلى علم نافع بل هو علم مجرد؟! وكثيراً ما نواجه في مجتمعنا أشخاصاً إذا تكلموا كانوا كالفلاسفة، يعرفون ويتحدثون وربما يستشهدون بالنصوص، وربما يقولون: قال فلان وعلان.

لكن إذا أتيت إلى واقعهم الشخصي في عبادتهم، وفي علاقاتهم بأهلهم، والوضع البيتي والمنزلي الذي يعيشون فيه، والوضع الاقتصادي والاجتماعي؛ لَوَجَدْت هؤلاء الأشخاص أبعد ما يكونون عن تمثل والتزام هداية السماء في تزكية أنفسهم، وتزكية من حولهم؛ فكم من إنسان قد يتكلم بالحق في لسانه، لكنك حينما تنظر إلى سلوكه الشخصي تجد شيئاً آخر، وحين تنظر إلى بيته تجد ألوان المعاصي والمنكرات، وتجد أهله وذريته وأولاده في وادٍ آخر، فلم يتعاهدهم بالهداية ولم يعلمهم، بل ولم يمنعهم من الحرام، فأتاح لهم كل وسائل الفساد وكل وسائل الاتصال بالعالم كله، وهو يقول: هل هؤلاء على مستوى أن يميزوا الطيب من الخبيث؟ نعم، كانوا على مستوى تمييز الطيب من الخبيث؛ لو أنك تعاهدتهم، وعلمتهم، وربيتهم، وهذبتهم، وأدبتهم، ووضعت لهم الموازين المستقيمة التي يستطيعون أن يميزوا بها بين الحق والباطل، والهدى والضلال، أما أن تتركهم لعوادي الزمن وخِطَط الأعداء، فيسمع في التلفاز الكثير، ويسمع في المذياع الكثير، ويقرأ في الجريدة الكثير، ويسمع في المدرسة، ويجالس قرناء السوء، وربما أنه يشاهد أفلام الفيديو -مثلاً-، بل أنه يطَّلِع على القنوات الفضائية التي تُبَث من أنحاء العالم، ومنها قنوات تنصيرية، ومنها قنوات جنسية، ومنها قنوات تخريبية، ومنها قنوات تنقل لنا قاذورات العالم كله، وما فيه من خير وشر، ثم تترك لهذا العقل الغض والبسيط الذي لم ينضج ولم يملك إمكانية التمييز وتقول: إنه قادر، فإن الأمر حينئذٍ يكون كما قيل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماءِ أو تجد هذا الإنسان الذي قد يفهم بعض النصوص في تعاملاته التجارية، أنه قد يأكل الربا وقد يأكل الحرام، وقد يغش، وقد يخدع، وقد يأخذ أموال الآخرين، أو يعتدي على أراضيهم، أو يأخذ أموالهم بالباطل، ومع ذلك يلتمس لنفسه ألف عذر أن مِن حقه أن يفعل ذلك كله.

فأين التزكية إذن؟ وأين العلم الذي يجيده في لسانه؟ والله تعالى يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10] .

فلابد أن تزكي نفسك ثانياً بهذا العلم، وهذه التزكية لا يغني فيها أحدٌ عن أحد، ولا ينفع فيها قريب عن قريب، ولا أبٌ عن ابنه، ولا زوج عن زوجه، قال تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلىً عَنْ مَوْلىً شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان:41] وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015