بناء الشخصية القوية للمسلم بالعلم

لقد جاء الإسلام ليحمل الإنسان كل مسئوليته على كافة المستويات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جاء يخاطب الفرد ليحمله مسئوليته على كافة الأصعدة، مسئوليته أولاً: في تعلم العلم الشرعي، أصولاً وفروعاً، عقيدةً وأحكاماً، فلا يكون الإنسان مقلِّداً، أو تابعاً، رضي أن يهدر عقله ويهدر إدراكه؛ ليكون تابعاً ومقلداً لفلان دون حجة ولا بصيرة ولا هدى ولا كتاب منير.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر العذاب الذي يصيب الإنسان الفاجر أو الكافر في قبره؛ بيَّن أن من أعظم أسباب هذا العذاب أن يكون الإنسان مقلداً في دينه، فلم يتعب في الدين، ولم يجتهد في استخدام الحجج والبراهين، ولم يستخدم هذا العقل الذي أنعم الله تعالى به عليه في الوصول إلى الحق بالدليل الشرعي من آيةٍ أو حديثٍ أو إجماع، وإنما رضي أن يكون مجرد مقلد لفلان وفلان، فقد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم - أن: {الإنسان إذا وضع في قبره يقال له: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟} فالمؤمن يقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ يسأل سؤالاً رابعاً: ما علمك؟ ومِن أين حصلت عليه؟ أحصلت عليه بالهوى، والتقليد؟ أم حصلت عليه بالبحث والاتباع؟ فيقول المؤمن، أو الموقن: قرأت كتاب الله فآمَنت به وصدقته.

إذاً هو علمٌ مبنيٌ على التحري، ومبنيٌ على الدليل، ومبنيٌ على الاتباع، ومبنيٌ على الحجة من كتاب الله تعالى، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أجهد الإنسان نفسه في طلب العلم، وثنى رُكَبَه في مجالس الذكر، واستمع إلى: (قال الله) و (قال رسول الله) وأعمل عقله حتى وصل إلى الهداية وظفر بها فتمَسَّكَ بها، وعَظَّ عليها بالنواجذ، ولهذا نجح في الاختبار العظيم والكبير يوم يُوَسَّد في قبره، ويتخلى عنه كل أحبابه وأصحابه وأولاده وأتباعه، ويبقى وحيداً إلا من عمله الصالح.

أما الكافر أو المنافق الذي كان لا يعرف الدين حقيقة في هذه الدنيا، أو يقلد الناس دون حجة ودون تبصر، ودون أن يستخدم هذه الجوهرة العظيمة التي أعطاها الله إياه -وهي العقل- في معرفة دين الله تعالى، وفهم النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، والوصول إلى الحق، ولو كان يردد في هذه الدنيا العبارات، والكلمات والألفاظ، دون أن يعِيَها فإنه يخفق في الاختبار، فيقول: هاها هاها لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، إذاً كان يقول ويردد دون وعي وبصيرة، ودون أن يحرك إنسانيته أو يستخدم مواهبه، إنما كان مجرد مقلد لفلان وفلان؛ فيخفق، ولا يتذكر ما كان يقوله في الدنيا، فيقول: لا أدري! كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ، فيضرب بمطرقة من حديد يصيح صيحةً يسمعها مَن يليه إلا الثقلان، ولو سمعها الإنس والجن لصعقوا من هول ما يسمعون.

فيا أخي الكريم: صوِّر نفسَك وأنت في هذا الموقف الصعب والعسير، وأنت تتعرض لهذا الابتلاء الكبير في ذلك الموقف الخطير، الذي لن ينفعك فيه مال ولا جاه ولا سمعة ولا شهرة، ولا فلان ولا علان، إنما ينفعك شيءٌ واحد هو: علمٌ نافع أو عمل صالح، فهل تلقيت دين الله تعالى بالحجة والبرهان والدليل؟ أم تلقيت من فلان وعلان؟ وهل اهتممت بهذا الدين وتتبعت أحكامه؟ أم اكتفيت بالموروثات الاجتماعية التي قد تكون صواباً في بعض الأحيان، وقد تكون خطأً في أحيان أخرى، ونحن نرى اليوم مع الأسف الشديد أن الكثير من المسلمين يتعصبون لهذه الموروثات، ويتحمسون لها ويركضون وراءها، ويتناصرون من أجلها أكثر مما يتحمسون لبعض الأحكام الشرعية التي يسمعونها من أفواه العلماء والدعاة والمحدثين.

إذاً لقد جعل الله تعالى عليك أنت بالذات مسئولية شخصية في تعلم دين الله تعالى، ومعرفة أحكام ما أنزل الله على رسوله بالأدلة الشرعية، ولا يغنيك أن تكون مجرد مقلد أعمى دون أن تبحث عن دليل أو حجة، فلا يكفي أن تكون مقلداً لما نشأت عليه في مجتمعك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015