العزلة عن الناس

Q ذكرت في محاضرة سبقت بعنوان "المفاضلة بين الخلطة والعزلة" أن من أسباب جواز العزلة كون المرء كثير الشر قليل الخير إلى الناس، فمتى يستطيع المرء أن يقرر بشكل واضح اتصافه بذلك، وبالتالي يسلك طريق العزلة؟

صلى الله عليه وسلم الأصل عند جماهير أهل العلم أن في المسلم هو الخلطة وليس العزلة، وإنما العزلة استثناء، لذلك إذا أشكل على المسلم الأمر ولم يتبين له أيهما أصلح في حقه؛ فعليه أن يحرص على الخلطة؛ لأنها أقرب إلى تحقيق مقاصد الشارع، ثم إن هذا الأمر اجتهاد لا يمكن البت أو الحسم فيه، والإنسان إذا راقب نفسه باعتدال يجب أن يقوم الإيجابيات والمنافع الحاصلة من مخالطته للناس، وبمقابلها يقوِّم السلبيات والمضار الحاصلة من هذه المخالطة، فينظر بعين العدل والإنصاف والاعتدال أيهما أكثر فيعمل بذلك.

فبعض الناس يميل بطبيعته إلى تعظيم الجوانب السلبية، وهذا في الحقيقة من المرض إن صح التعبير، فيميل إلى التضخيم في نفسه وفي حياته وفي حياة الآخرين، فتجده يركز على السلبيات دائماً يعلمها ويذكرها، وإذا تحدث عن نفسه، فإنما يذكر الجانب السلبي، وينسى الجانب الإيجابي، فيقول: أنا إنسان ليس عندي قيام ليل، وأنا شخص مقصر، وأنا كذا وأنا كذا، وينسى الجوانب الإيجابية في نفسه، ينسى أنه عنده رغبة أكيدة في تحصيل الخير والوصول إلى منازل الصالحين، وإن قصرت همته مثلاً، فينسى أنه ذو ملكة قوية في تحصيل العلم، وينسى أنه يحب الصالحين ويجلّهم ويفرح برؤيتهم، وينسى أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فينسى كثيراً من الخصال المحمودة في نفسه، ويفطن للخصال المذمومة، ويصبح عنده نوع من التشاؤم، أو مقت النفس الذي يؤدي به إلى ازدراء نفسه وتأخيرها عن مواقف الخير والنفع، وربما يدعوه إلى العزلة عن الناس، فعلى الإنسان أن تكون نظرته متزنة ومعتدلة، فإن لاحظ أنّ عنده شيئاً من عدم الاعتدال، فعليه حينئذٍ أن يستنير بآراء المقربين له من الناس ممن يعرفونه بكثرة احتكاكهم معه ومخالطتهم له، سواء من الأقران أم من الشيوخ أم من غيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015