المزاح والأخلاق

Q فضيلة الشيخ: ما رأيك في بعض الشباب الذين هداهم الله إلى دينه وهم شباب متدينون، ولكنهم مع الأسف كثيرو المزاح؛ مما يؤدي إلى سوء أخلاقهم، فهل يؤثر ذلك في دينهم، أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً؟

صلى الله عليه وسلم من أصول الأخلاق العدل، والعدل -كما سبق- يشمل أن يدرك الإنسان أن كل خلق فاضل يكتنفه خلقان ذميمان فمثلاً: تقطيب الإنسان، وجفاؤه، واكفهراره في وجوه الناس يولد البغضاء والكراهية، وهذا خلق ذميم ممقوت، وكذلك المبالغة في البشاشة والهشاشة والضحك والممازحة هي خلق ذميم، يولد المهانة وانحطاط قدر الإنسان عند الناس، وزوال الهيبة والتقدير، وينتج آثاراً مذمومة منها: أولاً: أنه يؤدي إلى وقوع الإنسان في المحظور؛ لأن الإنسان إذا استبد به المزاح والضحك والانشراح لذلك، وطرب لمثل هذه الأشياء، ربما يصدر منه من المواقف، والأقوال، والأعمال ما لم يكن يصدر منه بغير تلك الحال، وعلى سبيل المثال: حين تجلس مع أحد أصدقائك فتباسطه في الحديث والمزاح حتى يغلب الضحك، في مثل هذا الظرف قفزت في ذهن هذا المازح نكتة تناسب المقام، ومن المناسب جداً أن يوردها؛ لأنها ستكون دليلاً على أنه يتقن المزاح، وستكون -فعلاً- موضع إعجاب وتقدير زميله أو زملائه الحاضرين، حينئذٍ تجد أن لديه دافعاً ليقول هذه النكتة، ولو كانت ثقيلة، ولو كانت تتعلق بالإسلام، أو بالقرآن، أو كانت سخرية بشخص معين معروف، أو ما أشبه ذلك، ولو أدت إلى نتائج أسوأ من هذه، فتجد أنه يصعب عليه حينئذٍ أن يحكم لجام نفسه، ويمنعها عن الانطلاق في هذا الأمر.

ثانياً: من الآثار الضارة للمزاح: أنه يؤدي أحياناً إلى تفرق الأحبة، وينشر البغضاء بينهم، وما أدى إلى ذلك فهو ممنوع، كما قال عز وجل {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91] .

فدل على أن من مقاصد الشريعة إيجاد المودة والمحبة بين المؤمنين، ومنع وسائل الشيطان في زرع وسائل البغضاء بينهم، فكل ما أدى إلى العداوة والبغضاء بين المؤمنين فهو محرم شرعاً، فإذا أدت كثرة المزاح إلى ذلك كانت ممنوعة.

ومن المعلوم أن كثرة المزاح -غالباً- قد تؤدي إلى مثل هذا، فعلى الإنسان أن يقتصد في هذا الأمر، وإذا وجد من نفسه أن من طبيعته المزاح فليقرأ في تراجم العلماء، والصالحين، والأئمة، الذين خلد التاريخ ذكرهم، وأن منهم من كان يميل إلى المزاح، وله نكتٌ محفورة محفوظة ما زال الناس يتندرون بها.

فـ الأعمش -مثلاً- اقرأ ترجمته تجد من طرائفه ما لا يزال موضع تندر الناس؛ لكن يكون ذلك بقصد وقدر، فيشغل الإنسان نفسه بمعالي الأمور بحيث يكون المزاح وخفة الظل طابعاً معروفاً عند فلان، لكنه ما تعدى حده، ولا طغى على الجوانب الأخرى الموجودة فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015