تكلف الأخلاق

Q فضيلة الشيخ: هل ترى أن يتكلف الإنسان ما ليس من طبعه؟ وما حدود هذا التكلف؟ وكيف يترتب الثواب والعقاب على كون الأخلاق جبلة أو اكتساباً؟

صلى الله عليه وسلم التكلف هو نوع من المجاهدة التي ذكرتها ضمن الوسائل، فإن الإنسان الذي يحمل نفسه على أمرٍ ليس من طبعه، لا شك أنه يجد في ذلك من العناء ما لا يجده ذلك الإنسان الذي يقوم بالعمل ذاته بمقتضى فطرته وجبلته، فالتكلف وارد، وينبغي ألا يسمى تكلفاً، بل هو تطبع، والحلم بالتحلم، والعلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، فعلى الإنسان أن يحرص على تعويد نفسه الأخلاق الحسنة حتى تصبح عادة له.

أما مسألة الثواب، والعقاب أو مسألة الثواب بالنسبة للخلق الحسن، فالذي يظهر -والله أعلم- أنها مترتبة على النية والقصد؛ فإذا كانت نية الإنسان صالحة أجر على ما عمل، سواء عمله بمقتضى الفطرة والجبلة، أم تكلفه.

لنفترض أن إنساناً عمل عملاً يتناسب مع طبيعته، ولكنه فرح بهذه الطبيعة الموجودة فيه؛ لأنه يدرك أنها طبيعة ملائمة لما جاء به الشرع، فصار -كما سبق- يكثر من الإحسان إلى الناس وصلتهم وخدمتهم؛ لشعوره بأن هذا الأمر الموافق لطبيعته هو أيضاً محبوبٌ لله ورسوله، فمثل هذا الإنسان يؤجر على هذه الأشياء التي هي من طبيعته -كما سبق في قصة الـ أشج عبد القيس - أما لو فعلها الإنسان وهو لا ينوي بها خيراً ولا ينتظر أجراً من الله عز وجل ففي أجره حينئذ نظر، وقد ورد في صحيح مسلم {: أن عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان، وكان رجلاً في الجاهلية كريماً محسناً، يصل الرحم، ويحسن إلى المساكين هل ينفعه ذلك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً من الدهر ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين} فدل على أن هذه الأشياء بمجردها لا تكفي حتى ينضم إليها أصل الإسلام، لأن غير المسلم لا يؤجر على ما عمل، ثم كلما قويت فيه النية، وظهر فيه القصد زاد فيها الأجر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015