المجاهدة

الوسيلة الأولى: هي وسيلة المجاهدة، والمجاهدة نافعة في كل أمر بما في ذلك الأخلاق، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه على حملها على الخلق الحسن، وكفها عن الخلق الذميم، والخلق يتضح في مواقف معينة، فلا يعرف الإنسان أنه سريع الغضب وحاد الطبع إلا إذا وجد موقفاً يثير هذه الناحية فيه وحينئذٍ يعرف الناس منه هذا الأمر.

وقد تمكث مع إنسان زمناً طويلاً لا ترى إلا أنه رجل وديع ولطيف هادئ وحسن الخلق؛ فإذا به ينقلب في موقف من المواقف إلى إنسان هائج منفعل، يحطم ما أمامه ولا يبالي بشيء، وقد ينطق بما لا يريد أن يتكلم به، أو يتصرف تصرفاً يندم عليه كما هو معروف من شأن الغضوب، فالإنسان يعرف أو يظهر خلقه في مواقف يمكن أن يقال: إنه وجد فيها مثيرات تثير هذا الخلق في نفس الإنسان، فحينئذٍ على الإنسان أن يحرص على التحلي بالمجاهدة والصبر في مثل هذه المواقف التي تثير هذا الخلق المذموم عنده، يحرص على ضبط نفسه في موقف الغضب -مثلاً- يحرص على مجاهدة نفسهِ بالبذل إذا كان بخيلاً، وبالمجاهدة يستطيع الإنسان أن يصل إلى نتيجة طيبة بالتأكيد، فالله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] .

ولا شك أن الحصول على الخلق الفاضل من أسباب الهداية قطعه الله على نفسه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] فالخلق الفاضل نوع من الهداية يصل إليه الإنسان عن طريق المجاهدة؛ لكن في كثير من الأحيان يجاهد الإنسان فينجح في بعض المواقف السهلة اليسيرة، فيأتي موقف يفقد الإنسان توازنه، فيهدم جميع ما بنى في الماضي، ويعود إلى طبيعته وسيرته الأولى، وحينئذٍ يقول الإنسان: لا فائدة، أنا حاولت وحاولت، وأخيراً انظر ماذا كانت النتيجة؟! صحيح أنني نجحت في موقف أو موقفين أو ثلاثة؛ لكن لم أنجح في المواقف الحقيقية التي تتطلب مجاهدة، فحينئذٍ يقال: على الإنسان ألا ييئس، والمجاهدة لا تعني أن يجاهد الإنسان مرة، بل تعني أن يجاهد كل مرة حتى يموت، ويلتزم بالآداب النبوية الواردة مثلما ورد -مثلاً- في شأن الغاضب أنه يتوضأ، وإن كان قائماً قعد، وإن كان قاعداً اضطجع، وما أشبه ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015