رفع الإنسان الأخلاق الفاضلة وصرفها إلى الخير

الوسيلة الثالثة: هي تعلية رفع الجوانب الفطرية عند الإنسان، ففي الإنسان خصال فطرية مفطور عليها، مغالبتها مستحيلة؛ لكن الوسيلة المناسبة هي أن يحرص الإنسان على أن يصرف هذه الجوانب الفطرية الغريزية في مصرف مفيد ونافع، أو على الأقل في مصرف مباح.

الإنسان -مثلاً- عنده طبيعة الغضب، هذا الغضب يمكن أن يكون غضباً في ذات الله عز وجل إذا انتهكت حرماته، غضباً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، غضباً ينتج القيام بالأعمال والمشاريع التي تنفع الناس، فهذا صرف هذه الناحية الغريزية الفطرية مصرفاً محموداً دون أن يعمل على قطع المنبع من أصله.

ناحية أخرى مثلاً: حب الظهور -واسمحوا لي بهذا المثال لأنه قد يكون هناك مناقشة- فبعض الناس يحب أن يظهر وأن يمدح، وأن يشار إليه بالبنان، حب الظهور يمكن أن يؤدي بأناس -كما نعلم في الواقع- إلى أن يحرصوا على أن يقوموا بأعمال سيئة منافية لما عليه المجتمع الفاضل، فيحرصون -مثلاً- على نشر الأشياء السيئة، فيهمه أن يعرفه الناس، ويتكلموا فيه حتى ولو كان باللعنة، كما يعرف الناس الشيطان حيث يلعنونه ويستعيذون منه، فهذه خصلة فطرية إذا تحولت والعياذ بالله إلى انحراف في نفس الإنسان تدمر الإنسان، وتدمر المجتمع من حوله، لكن حين يوجد إنسان متدين وصالح يعرف في نفسه هذا الخلق بطبيعة الحال: عليه -أولاً- أن يجاهد نفسه في تهذيب هذا الخلق وإصلاحه.

وعليه -ثانياً- أن يجاهد نفسه في إصلاح النية بحيث لا يكون دافعه إلى أي عمل من الأعمال الصالحة حب الظهور والثناء، لأنه حينئذٍ ليس له إلا ما نوى، وما له في الآخرة من خلاق، وفي الحديث الصحيح قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {من طلب العلم ليتصدر به في المجالس أو ليصرف به وجوه الناس إليه فالنار النار} وفي الحديث الآخر: {لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا} والحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم بإسناد صحيح.

فحب الظهور إذا هذبه الإنسان يمكن أن يكون وسيلة نافعة، لأن هناك مجالات كثيرة لا يستطيع الإنسان الذي يكره الظهور ويبالغ في كراهيته أن يفيد فيها، فالإنسان الصالح الذي حاول أن يصلح نيته يجد ميداناً لممارسة الدعوة إلى الله عز وجل، والأمر والنهي والإصلاح في المجتمع، وخدمة الناس ونفعهم بطريقة صحيحة تتوافق مع طبيعته وجبلته التي فطر عليها، دون أن تتحول إلى صورة عكسية كما سبق، ودون أن يكون هذا هو هدفه المقصود أصلاً، فيتحول علمه والعياذ بالله إلى عمل من أجل الدنيا.

ولما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة قال: {من أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن} وذلك لأن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فلا مانع أن يعمل الإنسان على معالجة هذا الخلق بطريقة تدريجية مناسبة، وعلى صرفه في الميدان المناسب، وقل مثل ذلك في أي خلق آخر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015