المحاسبة

والوسيلة الثانية: وسيلة المحاسبة، والمحاسبة تكون بعد الفعل، فالإنسان الذي يحاسب نفسه يصل إلى خير كثير في سائر أموره، ولذلك أقسم الله عز وجل بالنفس اللوامة، وورد عن الحسن البصري وغيره أنهم قالوا: [[إن نفس المؤمن التي تلومه وتحاسبه: ما أردت بهذه الكلمة؟ ما أردت بهذه الأكلة؟ ما أردت بهذه الخطوة؟ أما الكافر والمنافق فهو يمضي قدماً لا يلوي على شيء]] ولذلك قال بعض السلف: [[إن الإنسان المتقي هو الذي يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه]] كما روى ذلك الترمذي عن ميمون بن مهران قال: [[العبد لا يبلغ أن يكون متقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من محاسبة الشريك الشحيح لشريكه]] .

فعلى الإنسان أن يكون محاسباً لنفسه، والمحاسبة لا تعني بالضرورة كما يتصور بعضهم أن يكتب ورقة ويضعها عند رأسه، فيسأل نفسه عند النوم ماذا فعلت؟ ماذا فعلت؟ المحاسبة أمر داخلي، ومن القضايا المهمة المميزة للأخلاق في الإسلام أنها تنبع من داخل الإنسان، ومن ضميره، وليست أشياء مفروضة عليه من الخارج، بل هي أمور تنبعث من الداخل، فالإنسان إذا عود نفسه أن يحاسبها على المواقف وعلى الأخطاء تلافت هذه الأخطاء.

بعض الناس دائماً يصور نفسه أنه هو المصيب في جميع المواقف، وأن غيره هو المخطئ، فتجده سواء إذا انفرد بنفسه أو إذا خلا ببعض خاصته قال: فلان قال لي كذا، وفلان تصرف معي كذا، فصور أن الناس كلهم جناة ومخطئون عليه، وأنه هو الشخص الوحيد الذي نزه عن الأخطاء والعيوب، حتى لا يكاد يقع منه خطأ، وإن لم يقل هذا بلسان مقاله فإنما قاله بلسان حاله، فعلى الإنسان أن يكون محاسباً لنفسه، ويتهمها -أيضاً- في المواقف، ويحاول أن يكون منصفاً إذا راجع، وفائدة المحاسبة أنك حين تقع في خطأ تتداركه في المستقبل، وتعمل على أن تتلافاه؛ وحين تجاهد نفسك في موقف من المواقف فتفشل في هذه المجاهدة لصعوبة الموقف عليك؛ فإن المحاسبة كفيلة بأن تذكرك بأنه يجب أن تتعظ بالموقف السابق، وإذا تكرر الموقف السابق لاحقاً، فيجب عليك أن تلتزم بجانب القصد والاعتدال والخلق الحسن، ولا شك أن أي إنسان حين يحاسب نفسه مرات ومرات على هذا الأمر لا بد أيضاً أن يصل فيها إلى نتيجة محمودة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015