أصول الأخلاق

والأخلاق كثيرة جداً، وقد جمع الإمام ابن القيم في كتابه مدارج السالكين أصولها في أربعة أخلاق: الأول: خلق الصبر الذي يحمل الإنسان على التحلي بالحلم، وكظم الغيظ، وكف الأذى، وما أشبه ذلك، فالأصل الأول هو الصبر.

والأصل الثاني: هو العفة، وهي التي تحمل الإنسان على الانكفاف عن الرذائل، والتعلق بالمعالي والأمور الكبار.

والأصل الثالث: وهو الشجاعة، وهي التي تحمل الإنسان على العزة، والكرم، والجود، والبذل، وتنهاه عن المواقف التي فيها تهور، أو فيها غضب، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه وقت الغضب} .

وقد رواه أئمة آخرون بلفظ: {ليس الشديد الذي يغلب الناس، إنما الشديد الذي يملك نفسه} كما في لفظ ابن أبي الدنيا وغيره، فليست الشدة في أن يكون الإنسان قوياً مع الناس غالباً أو مغالباً لهم، إنما الشدة هي أن يستطيع الإنسان الامساك بزمام نفسه، ويلجمها بالعلم والحلم، ويُقْدِمُ إن كان الأمر يقتضي الإقدام، ويحجم إذا كان الأمر يقتضي الإحجام.

والأصل الرابع من أصول الأخلاق: هو العدل مع النفس ومع الناس، ومن العدل أن يكون الإنسان معتدلاً مع النفس ومع الناس، ومن العدل أن يكون الإنسان معتدلاً في أخلاقه، فإن كل خلق حسن فهو مكتنف بخلقين ذميمين، فالإنسان إذا أفرط انتقل إلى خلق ذميم، وإذا فرَّط انتقل أيضاً إلى خلق ذميم.

خذ مثلاً الشجاعة: الشجاعة خلق حسن لكن إذا بالغ الإنسان في الشجاعة وتعدى، ماذا يسمى هذا الخلق؟ يسمى تهوراً، وهو خلق مذموم؛ لأن الإنسان يقدم في مواقف لا ينبغي فيها الإقدام، وإذا قصر الإنسان عن الشجاعة، ماذا يكون الخلق الذي اتصف به؟ الجبن، والجبن أيضاً خلقٌ مذموم.

مثلٌ آخر الحلم: الحلم خلق حسن مطلوب، لكنه إذا زاد عند الإنسان وتعدى تحول إلى الذلة والمهانة، وإذا نقص تحول إلى نوع من الغضب وشدة الانفعال.

مثلٌ ثالث: الكرم والجود: الكرم خلق حسن فاضل مطلوب لكن إذا زاد الكرم وتعدى تحول إلى إسراف وتبذير، وإذا نقص تحول إلى بخل وحرص وشح، وهكذا كل خلق مكتنف بخصلتين ذميمتين إفراطٌ أو تفريط، والتوسط والاعتدال هو المطلوب، فهذه أصول الأخلاق الأربعة، وكل الأخلاق التفصيلية تندرج إما تحت أصل من هذه الأصول، أو تكون مشتركة بين أصلين من هذه الأصول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015