كيف نتحلى بالأخلاق الفاضلة

والنقطة الأخيرة التي أحب أن أقف عندها ولعلها من أهم ما يشغل بال الكثير من الشباب في هذا العصر هي: ما هو السبيل إلى الوصول إلى الأخلاق الفاضلة؟ كيف يتمكن الإنسان من التحلي بالأخلاق الفاضلة؟ وكيف يتمكن من التخلص من الأخلاق الذميمة؟.

من المعلوم أن الإنسان مجبول على كثير من الخصال والأخلاق، سواء أورثها عن آبائه أم تلقاها بحكم البيئة التي عاش فيها وانطبعت في نفسه، وهذا أمر معروف لا يجادل فيه أحد على الإطلاق، ويكفي أن تتذكروا الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح عن ابن عباس في قصة وفد عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أشج عبد القيس: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة} ، وفي بعض الروايات: {أنه صلى الله عليه وسلم ذكر له أن الله جبله على هذين الخلقين فقال الرجل: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب} إنما الذي في صحيح مسلم هو قوله: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة} وما هو الفرق بين الحلم والأناة؟ الحلم: هو العقل، ولذلك يقال هؤلاء قوم ذوو أحلام، أي: أصحاب عقول.

أما الأناة: فهي التريث في الأمور وعدم الاستعجال فيها.

والحديث يدل على أن الإنسان يجبل -أحياناً- على خصال حميدة، ويجبل أحياناً على خصال قد لا تكون حميدة، والأمثلة على ذلك كثيرة، فما هو السبيل إلى دعم الأخلاق الحميدة الفاضلة في الإنسان؟ وما هو السبيل إلى التخلص من الأخلاق المذمومة المطبوعة فيه؟ أولاً: مغالبة الطبيعة دائماً ليست بالأمر الهين، وبكل حال ندرك أن الإنسان إذا كان شديد الانفعال -مثلاً- وذا جهاز عصبيٍ حاد، فمن الصعب أن يتحول بين عشية وضحاها إلى رجل حليمٍ واسع الصدر ومتأنٍ وهادئ، هذا أمر مسلم به، لكن أيضاً من الأمور الذي يجب أن تكون مسلّمة: أن من الممكن أن يصل الإنسان إلى التهذيب في كثير من أخلاقه، فمن الممكن أن تتهذب كثير من الخصال المذمومة عند الإنسان.

وما هو الدليل على أن الخصال المذمومة عند الإنسان يمكن أن تتهذب؟ الدليل الواضح الجلي الذي لا يجادل فيه أحد أنه وردت نصوص كثيرة جداً في القرآن الكريم، وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تأمر بأخلاق فاضلة كالكرم والجود والصبر والشجاعة والحلم وغيرها، وبالمقابل وردت نصوص قرآنية ونبوية كثيرة جداً تنهى عن أخلاق سيئة كالشح والبخل والحسد والحقد والغضب والجبن وغيرها.

ومن المعلوم أنه لا يكلفنا الله سبحانه وتعالى بأمر لا نستطيعه ولا نطيقه، ولو كانت الأخلاق جبلة مركوزة يستحيل تغيرها لما كان لهذه النصوص معنى، لأن المفطور على الأخلاق الفاضلة سوف يمارسها بحكم الجبلة، وكذلك المفطور على الأخلاق السيئة لا سبيل إلى تغييرها، فدل ذلك دلالة واضحة على أن الإنسان يمكن أن يهذب كثيراً من الأخلاق، صحيح أنه من الصعب أن يغير الإنسان مرة واحدة كثيراً من الأخلاق؛ لكن من الممكن أن يهذبها ويصل إلى مستوى محمود فيها.

والخطوات أو الوسائل التي يمكن أن يخطوها الإنسان إلى هذا المرتبة كثيرة نمهد لها بمثلٍ ضرَبه أهل العلم بذلك: مثل الإمام ابن القيم -رحمه الله- وهذه الأخلاق الفطرية التي ترجع إلى جبلة مركوزة في النفس بتيار جارف من الماء (سيل أو نهر) مكتسح يمشي بسرعة هائلة، وهذا النهر إذا وصل إلى مدن أو قرى أو مزارع، فإنه يكتسحها فيأتي على الأخضر واليابس، فعلم الناس بأن هذا السيل آتٍ، فاختلفت مواقفهم من ذلك، فمنهم من يحاول أن يجفف منابع هذا النهر الذي يخرج منها؛ فكلما سد هذا الماء من جانب انفجر عليه الماء من جانب آخر، فضيع وقته في هذه المحاولة العابثة التي لا تنتج شيئاً، فهذا صنف من الناس يحاول أن يغالب الفطرة والفطرة غلابة.

الصنف الثاني: حاولوا أن يضعوا السدود المنيعة الحصينة التي توقف هذا السيل إذا جاء، فتوقف السيل حين كان قليلاً، لكن حين كثر عمَّ وطمَّ واكتسح هذه الحصون والسدود الموضوعة، ثم علا هذه المدن والقرى والمزارع والعمران فأهلكها.

الصنف الثالث من الناس: وهم الصنف المحمود الموفق وهم الذين عملوا أولاً على إيجاد الطرق والوسائل والمعابر التي يمكن أن يسلكها هذا الماء؛ فيستفيدون منه دون أن يوقفوه، بل جعلوه يمشي كما هي طبيعته الجريان والاندفاع، جعلوه يمشي ويندفع في طريق نافع، ولا مانع أن يضعوا حينئذٍ سدوداً لما زاد أو فاض منه، لكن مع السدود توضع المعابر التي يسلكها الماء ليكون حينئذٍ نافعاً، يسقى منه الحرث والزرع والمواشي، وينتفع به الناس في وسائل الانتفاع.

وكل إنسان منا فيه هذا وهذا، فيه أخلاقٌ حميدة فاضلة جُبِلَ عليها وورثها عن أهله، وتلقاها في بيئته، وفيه أيضاً أخلاقٌ مرذولة سيئة جُبِلَ عليها، وورثها عن أهله، وتلقاها في بيئته، وعلى الإنسان ألا يكثر من التنقيب عن أخلاقه الذميمة إذا لم تكن ظاهرة بينة، فإن من أكثر من التنقيب عن الأخلاق السيئة في نفسه شُغِل بها، كما قال بعض الشيوخ: [إن الأخلاق السيئة في النفس كالحيات والعقارب في الطريق، فلو أن المسافر بالطريق مثلاً شغل نفسه بالبحث عن الحيات والعقارب في الطريق لما قطع طريقاً وما حقق نفعاً، لكن عليه أن يستمر في طريقه فإذا عرضت عليه حية أو عقرب قتلها ثم مشى في طريقه] وهكذا السالك إلى الله، الداعية العابد، طالب العلم عليه أن يسلك طريق الإسلام فإذا عرض له خلق ذميم في نفسه في هذا الطريق سعى إلى إزالته والقضاء عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015