فكيف -وحالك هذا- ترضى أن تسمع من زميلك سخرية بآيات الله عز وجل، أو استهزاء برسله، أو تشكيكاً بأمور الغيب من البعث أو الجنة أو النار، أو المعجزات والآيات التي جرت على الأنبياء؟! ثم تلوذ بالصمت! وربما كان جوابك عليه ضحكة طويلة مجلجلة!! ألا تذكر أن زميلك يوماً من الأيام شكك في الإسراء والمعراج، وقال: هل رأيت هذا بنفسك، فما رددت عليه ولا ناقشته، ولا ذكرته ولا خوفته؟! أنت أيضاً؛ قد وقعت في خطأ وأطلت إزارك أو بنطالك، فهلا أعجبت بأخيك الذي قصر الإزار أو طواه؛ تحرياً للسنة، وطاعة لله تعالى ورسوله، إذ لم تفعل أنت فعلام السخرية والتندر إذاً ممن هم أهدى سبيلاً وأقوم قيلاً؟! أخي أنت تعلم أن الشرائع والعبادات أمور مفروضة، وأعجب منك وأنت تصلي وتعلم أن الصلاة دعاء، وأن الدعاء صلاة، كما قال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] .
ومع ذلك سمعت زميلك وأخاك وقرينك في العمل يسخر من أمر الدعاء، ويقول: لو كان كل مظلوم دعا استجيب له؛ لما بقي ظالم على وجه الأرض، فسكت عن ذلك، وغمغمت وجمجمت وأحجمت! ولم تبين له كم من مظلوم انتصر الله تعالى له في الدنيا قبل الآخرة! لكن الله تعالى {يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته} {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] .
أنت تعلم أخي: أن الاستهزاء بآيات الله تعالى كفر، وقد قال جماعة خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد والغزو فسخروا من القراء وطلبة العلم، وقالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أكبر بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله تعالى من فوق سبع سماوات آيات كريمات تقرأ إلى يوم الدين، تحكم على هؤلاء بالكفر البواح الصراح، وتتهددهم بنار جهنم وبئس المصير، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:65-66] .
إن الاستهزاء بآيات الله تعالى أو رسله أو أنبيائه أو الغيب أو الجنة والنار أو بالصالحين، هو كفر بالله العظيم.