الاستهزاء بالصالحين

ولذلك لما ذكر عندك يا رجل الأمن فلان وفلان من أهل الخير والصلاح، فتماجنت وأظهرت الفرح والدعابة، وأن النكتة على طرف لسانك، فضحكت على فلان، وتندرت من شكله أو هيئته، أو منطقه وكلامه، أو تصرفاته، وربما آذيته إن كان لك عليه سبيل.

أنت أنت يا صاحب الجسم النحيل! والعمر القليل! والهم الكليل! أتقدر أنت على أن تحارب الله جل وتعالى؟! إن الله جل جلاله يقول: {من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب} أي أعلنت على لسان رسولي بأنني محارب له.

زعمت أوروبا أن ستغلب ربها وليُغلبن مُغالب الغلَّاب والولي في قوله: {من عادى لي ولياً} لا تحكم عليه أنت ولا أنا، الولاية سر عند الله عز وجل، وهي الجدير بها أهل التقوى والإيمان {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] .

فربما كان الولي بأسمال متواضعة، وربما كان بدون مرتب أو وظيفة، وربما كان ضعيف الجسم، وربما كان الولي في غياهب السجون، فإياك إياك لا يستفزنك الشيطان، فتطلق لسانك بالسوء على عباد الله، هذا متطرف، وهذا أحمق، وهذا يستغل الدين لمصالحه الشخصية، وهذا يريد الشهرة، وهذا يريد المنصب، وهذا يريد السلطة، وهذا وهذا!! هل جعلك الله تعالى رقيباً على قلوب العباد؟! أخي الكريم إنك قد تقول لي: أنا لست من أهل هذا الشأن، وما تكلمت في مؤمن قط، ولكنني أقول لك: هذا لا يكفينا منك، بل نريدك رسولاً لمن وراءك، أن تأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، وتقرأ عليهم آيات الله والحكمة.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم} وفي رواية: {إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب} وفي رواية: {يهوي بها سبعين خريفاً في نار جهنم} .

أفيسرك أن تكون أنت من أهل هذا الوعيد العظيم الشديد، سبعين عاماً يتجلجل في نار جهنم! وما جرمه أو ذنبه إلا كلمة لم يتبين فيها، وربما قالها تندراً أو مجاملة لزيد أو عبيد!! وفي سنن الترمذي بسند جيد عن بلال بن الحارث المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت} لم يُقِم لها بالاً ولا وزناً ولا اعتباراً، بل ظنها كلمة سهلة يسيرة، وربما قال: كل الناس يقولون هذا، {يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه} .

تأمل نفسك، وتحسس جسدك؛ هل عندك قدرة أن تظل تعيش كل عمرك الذي بقي لك، تتقلب في سخط الباري عز وجل، الذي أنفاسك منه، وعطاؤك منه، ومالك منه، وزوجك منه، وكل خير بك فمنه، {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53] أفيسرك يا أخي أن تتقلب يوماً من الأيام على فراش المرض، تئن من آلام مبرحة؛ لو وزعت بين مائة رجل لأثقلتهم وأبكتهم وصاحوا منها؟! أيسرك أن تتحمل هذه الآلام، ثم تدعو الله تعالى فلا يستجيب لك، وتسأله فلا يعطيك، وتستنصره وتستصرخه فلا يجيبك، لماذا؟! لأنك تتقلب في سخطه، نظير كلمة قلتها في حق امرئ مسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015