ما بعد الحرب

لقد ذهبت هذه الحرب بالكثير الكثير، ذهبت أولاً بالشعارات الجوفاء التي طالما تحدث عنها هؤلاء الناس، فتكلموا عن الحريات، وعن القوانين الدولية، وعن حقوق الإنسان، وعن العدالة، وعن القيم الأخلاقية، فإذا بهذه الحرب تكشف عن الوجه الأسود الكالح الذي لا يمكن أن يستر ولا يخفى.

أين الشعارات أين المالئون بها الدنيا لَكَم زوّروا التاريخ والكتبا فلا خيول بني حمدان راكضةٌ لهواً ولا المتنبي مالئٌ حلبا وقبر خالد في حمص تلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا يا رُبَّ حيًّ رخام القبر مسكنه ورُبَّ ميت على أقدامه انتصبا يا بن الوليد ألا سيفٌ تؤجره فإن أسيافنا قد أصبحت خشبا لقد انكشف الزور، وبانت هذه الشعارات التي طالما ضللت كثيراً من شباب الأمة وشباب العالم، فظنوا أن هذه الحضارة استثناءٌ، وأنها لونٌ ونمطٌ من الحرية للبشر كلهم، وأنها تجردت عن كل المعاني الرديئة، فإذا بها تبين في أكلح وأقبح صورها عدواناً على الآمنين استهدافاً للأبرياء تحدياً للقوانين محاولةً لمصادرة الحقيقة والقضاء عليها، وهكذا انكشف أن الحرية الإعلامية المدعاة، أو الحرية السياسية ليست إلا نوعاً من التسلط، ولكنه ربما يكون أحياناً بألوان من القفَّازات الناعمة، والمظاهر الجميلة، والعبارات المعسولة، وتخفي وراءها ما تخفي.

الكل يعاني نوعاً من التسلط، ربما في كثيرٍ من دول العالم الإسلامي تواجه الشعوب نوعاً من التسلط الواضح المكشوف المباشر، سواءً من خلال الإعلام، أو من خلال مصادرة الرأي والحرية، لكن العالم الغربي وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية بان من خلال هذه الحرب أن شعبها ربما يعاني نوعاً آخر من التسلط، يكون هذا النوع بقدرٍ كبيرٍ جداً من محاولة غسيل عقول الناس، والتأثير على إرادتهم بحيث يتقبلون هذه الأشياء بقناعة، فأنت تعمل ما تريد ما دمت تعمل ما نريد.

ذهبت هذه الحرب بالقوانين الدولية، والمنظمات التي كان الحديث يتم حولها، وتبين أن ما يتحدثون عنه من استقلال الدول أنه ليس إلا هراءً.

فهذه دولٌ مستقلة يتم العدوان عليها لأغراضٍ مختلفة، ويتم غزوها، ويعتبر الذين يدافعون أو يقاومون خارجين على القانون الدولي، مخالفين للأنظمة، يتم اعتقالهم، وأسرهم، وقتلهم، ومحاكمتهم، وضربهم، وتعذيبهم.

أيضاً قوانين الحرب التي تقتضي عدم العدوان على الأبرياء، وعدم العدوان على المؤسسات الإعلامية، نجد أنها ذهبت في دوامة هذه الحرب العمياء الظالمة.

أدعياء الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية يهاجمون الإسلام، ويهاجمون نبيه عليه الصلاة والسلام، ويتهمونه بالدموية، وبالعنف، وبالإرهاب، بينما نحن نتحدى أن عدد القتلى في حياة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المسلمين وغيرهم لا يمكن أن يقاوم عدد القتلى في يومٍ واحد في هذه الحرب الظالمة فضلاً عما قبلها من الحروب وما قد يكون بعدها.

ذهبت هذه الحرب بالحياد والاستقلال: الاستقلال السياسي، والثقافي، والعسكري، فإننا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية كما سوف يتبين بعد قليل تحاول أن تفرض نفسها كسلطةٍ عالمية بلا منازع ولا مقاوم.

ذهبت هذه الحرب بالنظام العربي الذي تبين من خلالها أنه نظام مكشوفٌ عاجز، غير قادرٍ على المقاومة ولا على الاستقلال بالقرار والموقف.

ذهبت الحرب ربما بالإدارة الأمريكية التي انغمست في رمالٍ متحركة لا تعرف إلى أين تؤدي بها، ولعل الانتخابات القادمة بعد سنة ونصف أو سنتين تصدق هذا الظن أو تكذبه.

فهل جاءت هذه الحرب لهم بشيء؟ نعم.

لا شك أنها جاءت بمناطق نفوذ ونفط وقوة كبيرة وهيبة في أماكن شتى من العالم.

فيما يتعلق بالنفط مثلاً: فإن الشركات الأمريكية سوف تظفر بحصة الأسد من خلال علاقاتها مع القوى العراقية، ومن خلال دورها الأساسي في الحرب، وسيكون لذلك فائدة إضافية مهمة وهي تدمير ما يسمى بمنظمة أوبك أو تحجيمها عن أن تقوم بأي موقفٍ فيه إضرار بالمصالح الأمريكية.

يقول المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي: إن نجاح الحملة العسكرية على العراق سوف يصب في صالح الأعمال والشركات الأمريكية، ويقول: إن معنى تغيير النظام في العراق هو ضخ ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين برميل نفط يومياً بشكل إضافي إلى سوق النفط، وربما بعد خمس سنوات سيضخ عشرة ملايين برميل يومياً من النفط العراقي إلى أسواق العالم، وسوف تكون حصة الأسد من ذلك للشركات الأمريكية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015