لقد مثل لنا بعض السلف، كما ذكر الخطابي في كتابه " العزلة ", صديق السوء بمثال هو نوع من الأساطير, ولكن ليس المقصود بهذه الأساطير هو مجرد النكتة -كما يتصور البعض- لا, المقصود تصوير المعاني الجليلة بصور قريبة من النفوس يسهل فهمها ويلذ سماعها ويمكن التأثر بها, صور لنا قرين السوء بصورة فقال: إن رجلاً نصب فخاً -والفخ هو: أحبولة يصاد بها- فجاء العصفور- وهذا الفخ كان فيه أنواع من الحب- فجاء العصفور إلى الفخ, فنظر إليه وإلى الحب الموجود فيه, فقال له: ما غيبك في التراب؟ فقال الفخ: التواضع, قال: مما انحنيت؟ قال: من طول العبادة, فقال: ما هذا الحب الموجود بداخلك؟! قال: هذا طعام أعددته للصائمين, فلما أمسى وغابت الشمس جاء العصفور إلى الفخ ليلتقط هذا الحب, فخنقته الأحبولة, فقال هذا العصفور وهو يلفظ أنفاسه: "لئن كان كل العباد يخنقون خنقك فلا خير فيهم اليوم.
المقصود من هذه الأسطورة هو أن ينتبه الإنسان إلى أنه لا يكفي في اختيار الصديق, أن يضحك له ويبتسم, أو يكشر في وجهه, أو يقول له الكلام الطيب المعسول، أو يظهر له بعض مظهر الصداقة أول الأمر, بل لا بد أن يبلوه ويختبره ويعرف حسن خلقه, وصدق دينه, وصلاحه واستقامته, قبل أن يتخذه صديقاً, هذه هي النقطة الرابعة وهي كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صحبة الطيبين والصالحين ومقاربتهم فكذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من صحبة الأشرار ومداناتهم ومجالستهم.