النقطة الرابعة: وهي النقطة المقابلة لها: أنه كما حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة الطيبين والصالحين؛ لما لها من الأثر العظيم، فقد حذرنا من صحبة الأشرار ومقاربتهم ومجالستهم.
وبين لنا صلى الله عليه وسلم أن القرين السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة , وهذا الحديث رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري، ورواه أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه, فالمرء الذي يجالس الأشرار لا بد أن يكون مثلهم, يقول مالك بن دينار لبعض أقربائه: [[يا مغيرة، الناس أشكال -يصور أن الناس كغيرهم من المخلوقات من الطيور وغيرها-لا يعرف الواحد منهم إلا شكله ومثيله]] كما سبق تقرير هذه القاعدة- يقول: الناس أشكال؛ الحمام مع الحمام, والغراب مع الغراب, الصعو مع الصعو -عصفور صغير- وكل شيء مع شكله, أي كما أن الحيوانات والطيور وغيرها لا يكون الواحد منها إلا مع أمثاله؛ فكذلك الناس لا يكون الواحد منهم إلا مع أمثاله.
فلذلك على الإنسان أن يبحث عن مثيله في الصلاح، مثيله في الخُلُق, مثيله في الهدي والسمت, بل ومثيله في السن، ومثيله في الاختصاص, وفي كل شيء, وأن لا يقرب من الأصحاب إلا من يكون قربه مقرباً إلى الله تبارك وتعالى.
أما أولئك المتظاهرون بالصداقة، وهم يحبلون الأحابيل للإنسان؛ فإنهم في الحقيقة أعدى أعدائه, يسهلون له طريق الجريمة, ويغرونه بها ويثبطونه عن الخير ويحذرونه منه، حتى إذا وقع الإنسان في الفخ؛ ضحكوا منه وولوا وهم يضحكون، غير مبالين بما صار إليه أمره وشأنه.