من أخبار مدعي الصداقة

ولذلك كثرت شكوى المتقدمين من هذا الجنس, من مدعيي الصداقة ومنتحليها وهي منهم براء، يروي الخطابي في كتاب العزلة وابن عساكر في بعض مجالسه, والإمام ابن حبان في كتاب له مفيد اسمه "روضة العقلاء ونزهة الفضلاء" وهو كتاب يبحث في الآداب والأخلاق التي على الإنسان أن يتقمصها ويتدرب عليها, وغيرهم يروون أن أعرابياً بالكوفة كان له صديق, وكان هذا الصديق يظهر له المودة والصحبة والنصيحة, فاتخذه الأعرابي من عدده للشدائد, يظن أنه كلما حزبه أمر سيلجأ إليه, فلما نزلت بهذا الأعرابي ضائقة؛ ذهب إليه فوجده بعيداً مما كان يظن, فولى الأعرابي عن صديقه وهو يقول أبياتاً من الشعر، ما أكثر من يجب أن تقال لهم: إذا كان ود المرء ليس بزائد على مرحباً أو كيف أنت وحالكا والقول إني وامق لك حافظ وأفعاله تبدي لنا غير ذلكا ولم يك إلا كاشراً أو محدثاً فأفٍ لود ليس إلا كذلكا يصور لك نوعية من الأصدقاء يهشون ويبشون في وجهك, ويقولون: كيف أنت وكيف حالك؟ أو إني محب لك حافظ لك, لا يزيد على ذلك, لأنه قرين سوء فلو احتجته في أمر من الأمور, لخيب ظنك، فيقول لك هذا الأعرابي "فأف لود ليس إلا كذلك" ثم يصور حال صديقه فيقول: لسانك معسول ونفسك بشة وعند الثريا من صديقك مالك وهذا نوع من أنواع التباذل فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في الحديث القدسي {والمتباذلين فيّ} وهؤلاء هم الطيبون وهم الصالحون وهم قرناء الخير, وقرناء الخير يبذل بعضهم لبعض البشر والمحبة، والكلمة الطيبة والجلسة الطيبة والنصيحة، ولو احتاجه في أمر من الأمور لوجده عند حسن الظن, بخلاف هؤلاء القوم, ولذلك يقول هذا الأعرابي: وأنت إذا همت يمينك مرة لتفعل خيراً قاتلتها شمالك وفي بعض الكتب " قابلتها شمالك".

فنفسه تمنعه من فعل الخير إلى أصدقائه, ولذلك فلا يغرنك أخي الشاب من مدعي الصداقة لينه معك, وتسامحه أول الأمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015