أيها الإخوة! إن الله عز وجل حين خلق الناس خلقهم متفاوتين في كل شيء, متفاوتين في أخلاقهم وطبائعهم وميولهم, ومع هذا التفاوت العظيم والبون الشاسع, فقد جعل الله تبارك وتعالى أرواحهم جنوداً مجندة, فما تقارب منها وتعارف ائتلف, وما تنافر منها وتناكر اختلف, كما في الحديث الذي رواه مسلم، وأبو داود، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف, وما تناكر منها اختلف} .
ولذلك فإن اللقاء بين المؤمنين في هذه الدار -كما سيتضح لكم- هو نوع من النعيم العظيم, الذي تأنس به قلوبهم في هذه الدنيا, وإن كانوا -كما ذكرت في مقدمة الحديث- في سجن بالقياس إلى ما ينتظرهم في الآخرة.
فالمسلمون على رغم فوارق الزمان والمكان هم من حيث الجملة ممن تقاربت قلوبهم وتآلفت, وهم بالنسبة لغيرهم من الكافرين والمنافقين قد تنافرت معهم قلوبهم، وتباعدت واختلفت أرواحهم, وتناكرت وتباغضت, وبناء على ذلك فإنك لو رأيت من يدعي الإسلام بلسانه, ثم يحب الكافرين ويميل إليهم، فاعلم أنه مسلم شكلاً لا حقيقة, وفي هذا المقام يروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه {أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟} ونظراً لأن هذا السؤال مما لا ينبغي أن يعلم جوابه إلا الله عز وجل؛ لأنه استأثر بعلم الساعة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صرف السؤال إلى أمر مهم آخر, كان ينبغي أن يُسأَل عنه، وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لهذا الرجل: {ما أعددت لها؟ قال الرجل: لا شيء, إلا أني أحب الله ورسوله, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت, قال أنس: ما فرحت بشيء فرحي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: أنت مع من أحببت, قال رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بعملهم} والحديث متفق عليه عن أنس، ورواه البخاري ومسلم أيضاً عن ابن مسعود وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.