الأدب الثانى: هو مراعاة المناسبة: وذلك يعني: أن الإنسان بشر حتى لو كان مفتياً أو عالماً جليلاً أو شيخاً فاضلاً نبيلاً فإنه يبقى بشراً، وكونه بشراً يعني: أنه يعرض له الغضب والرضا، والحزن والسرور، والصحة والمرض، والنوم واليقظة، ويكون في حاجة أهله، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري عندما سئلت عنه عائشة رضي الله عنها قالت: [[كان يكون في مهنة أهله، فإذا أذن المؤذن خرج إلى الصلاة]] ولذلك وضع الشارع حدوداً وآداباً للدخول والخروج، والاستئذان والمحادثة، وغير ذلك، ومن هذا أيضاً ما يتعلق بقضية الهاتف وهي أظهر ما تكون.
فإن الإنسان مثلاً قد يغلق عليه بابه، لكن تأتي قضية الهاتف فتجد في رمضان من الناس من يسهر الليل كله، ولذلك إذا أراد أن يتصل بأحد المشايخ ليسألهم متى يتصل بهم؟ يتصل بهم الساعة الثانية ليلاً! لأن الناس لا ينامون في رمضان هكذا يقيس الناس على نفسه! وآخر ينام بالليل ولا ينام بالنهار، لذلك يذهب يتصل الساعة الحادية عشرة ضحى لماذا؟ لأنه نام في الليل، فهو يقول: الناس نائمون في الليل، فلا تجد الآن أحداً نائماً، يظن الناس مثله.
وثالث: ينام بعض الليل وبعض النهار، ولهذا ربما يتصل في الساعة الثالثة بعد الظهر، لماذا؟ لأنه يقول: إن الناس قد شبعوا من النوم الآن فيقيس الناس على نفسه، لذلك تجد كما ذكر لي بعض المشايخ أن جرس الهاتف يرن عنده طيلة أربع وعشرين ساعة؛ لأن كل إنسان يتصل في الوقت الذي يناسبه، دون أن يراعي وقت الآخرين، وهذا نوع من الاستئذان الذي ينبغي أن يراعى فيه الأدب.
الله تعالى أدبنا بالنسبة لطرق الباب والدخول والاستئذان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:58] كذلك الأمر بالنسبة لطرقك للإنسان في حمأة الظهيرة، أو في منتصف الليل كونك تطرق عليه الباب في هذه الأوقات غير مناسب، وكذلك بالنسبة للهاتف فكون الإنسان يتصل في أي وقت دون أن يحسب حساباً لمن يتصل به هذا ليس بجيد.
وربما أن بعض الإخوة إذا لم يظفر بطلبه وحاجته، فإنه ربما يلوم ويعتب، لأنه لا يقدر إلا الوضع الذي يعيشه ولا يتصور ظروف الآخرين، ولنفترض أنك تصورت أن الشيخ الذي تريد أن تتصل به يقظاً الآن، فهل يعني أن هذا الشيخ ليس له هم إلا أن يفتي أو يجيب على أسئلتك؟ كلا! بل ستجد عنده قراءة، وستجد أنه بحاجة إلى عبادة، وبحاجة إلى أن يخلو بنفسه، وبحاجة إلى أن يكتب بعض بحوثه، أو يصحح بعض كتبه، أو يكون في مهمة رسمية، أو ما أشبه هذا.
إذاً فحق أن يقدر كل هذه الظروف، ثم يبحث الإنسان عن الوقت المناسب للاتصال.