جمال العبارة والأسلوب

أدب ثالث: يتعلق بجمال العبارة والأسلوب الذي يسأل به السائل.

ولست أقصد بجمال العبارة أننا نطلب من العامي أو شبه العامي أن يكون رفيع الأدب، قوي الأسلوب، فصيح العبارة، يأتي بأجمل ما يوجد من الكلمات، هذا ليس بلازم؛ فنحن نجد الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضمام بن ثعلبة وحديثه في الصحيح، جاء والرسول صلى الله عليه وسلم جالس فقال: يابن عبد المطلب، قال: قد أجبتك، نعم، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك.

انظر حتى هذا من الأدب، كون الرجل يقوم لسؤاله قبل ما يأتي بالكلام الشديد فيأتي بهذه الكلمة الممهدة هذا جميل: (إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك) .

ولهذا بعض الناس مثلاً يمهد لسؤاله بقوله: إن الله لا يستحي من الحق، لا حياء في الدين، هذا جميل؛ لأنه يوحي بأنه لا مؤاخذة بالكلام الذي قد لا يكون مناسباً، إنما سألت عنه بغرض الاستفسار ومعرفة ما يحل لي وما لا يحل، وهكذا إذا كان الكلام شديداً يمهد له بمثل ما مهد به ضمام بن ثعلبة وهو رجل جاء من البادية، وعادة أهل البادية أن يكون فيهم شيء من الجفاء، لكن مع ذلك فالرجل عرف هذا التمهيد المناسب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن مما ينبغي على الإنسان في كل حال: أن لا يخاطب من يسأله من الشيوخ بعبارة نابية، أو لفظ غير مناسب، وأضرب لكم بعض الأمثلة: بعض الناس اعتاد أن يقول إذا تكلم: أفهمت أم لم تفهم؟ فكونك تتكلم مع أخيك أو مع زميلك بهذا فلا بأس، لكن تسأل الشيخ فتقول: أفهمت أم لم تفهم؟ فهذا غير لائق، أو مثلاً: ماذا بك؟ وأنت تسأل الشيخ هذا غير مناسب ولا يصلح.

أو كونك تروي له قصة مشكلة حصلت بينك وبين إنسان فتأتي بضمير المخاطب فتقول مثلاً: فلان قابلني وقال لي: ما فيك خير، فهذا لا يصح أن تقوله؛ لأنه لو سمع إنسان كلمة (ما فيك خير) ، ظن أنك تقصد ذلك الشخص نفسه، أو الذي تسأله ظن أنك تخاطبه بذلك؛ ولهذا تكلم فيه الذين ذكروا آداب طالب العلم والمستفتي، فنهوا أن يؤتى بمثل هذه العبارات فتقول: مثلاً: فلان قال لي: أنت ما فيك خير، وأنت فيك كذا؛ وفيك كذا كأنك تخاطبه، وإنما تقول: قال: إنني ما فيَّ خير وإنني كذا وإنني كذا، فتأتي بالكلام على نفسك لا على المخاطب.

مثال آخر: وهذا كثيراً ما يقع وقد سمعت منه أشياء وأنا في مجلس بعض الشيوخ.

أحياناً السائل يريد أن يروي قصة أو سؤالاً، لنفترض أنه يريد أن يسأل عن إنسان كان يسرق المال، وسرق مبالغ طائلة من الأموال ثم تاب الله عليه، فكيف يستطيع أن يتخلص من هذه الأموال.

فيأتي السائل من باب التقريب وإيضاح السؤال، يفترض أن الشيخ المسئول هو الشخص السارق، فيقول مثلاً: وهو يخاطب الشيخ: فرضنا أنك تعملُ في مؤسسة، وبعد ذلك سرقتَ منها أموالاً!! هذا غير لائق قطعاً؟! ولو قال: أنا أعملُ في مؤسسة، وبعد ذلك سرقتُ أموالاً لكان الأمر أهون، خاصة لو كانت القضية قد وقعت منه فعلاً.

والأولى أن ينسبها إلى آخر مجهول فيقول: هناك إنسان فعل كذا، ويذكر عن إنسان أنه شرب الخمر ومات وهو في بطنه أو تاب أو غير ذلك.

فلا يصلح أن تفترض أن المسئول هو السائل المستفتي، لا أقول: إنه محرم شرعاً؛ لكنه -أدباً- غير لائق وغير مناسب.

وأحياناً بعض العامة تجد فيهم من التنبه لهذه الأشياء ولطافة العبارة، وحسن التأني، وكثرة الدعاء للمسئول، والترحم عليه والترضي، ما يحتاج لبعضه بعض طلبة العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015