تفسير قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)

وفي الآية التي قبلها إثبات العين والأعين لله جل وعلا، وهذه الآية في قصة موسى عليه الصلاة والسلام، ومن ضمن ما يمتن الله تعالى به على موسى كما في سورة طه حيث امتن عليه بأشياء كثيرة، من حين أن خرج من بطن أمه، فأوحى الله تعالى إليها بإرضاعه، ثم أن تقذفه في التابوت، ثم تقذفه في اليم، إلى قوله: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] فكل هذه منن ونعم من الله تعالى على موسى عليه الصلاة والسلام، ومنها قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه:39] سبحان الله! المحبة تلقى وتتنزل وترسل، فأرسل الله إلى موسى وألقى عليه محبة منه، أن الله تعالى أحبه وجعل الناس يحبونه، فجعل في موسى محبة، فهو محبوب، فمن رآه أحبه وأنس به، وهذا سر عظيم حيث لما رأته امرأة فرعون رقت له وأحبته وقالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [القصص:9] وكذلك فرعون سخره الله له، وكذلك غيره، فألقى الله تعالى على موسى محبة منه، وهذه من المنن ليبلغ الله تعالى به من أمره ما يشاء، حتى أنه يتربى في قصر فرعون الذي كتب الله تعالى أن يكون هلاكه على يده {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] أي: ليتربى موسى عليه الصلاة والسلام على عين الله عز وجل، أي: بمرأى منه وبصر، وهذا يتضمن -كما سبق- ويستلزم الحفظ والصيانة لموسى عليه الصلاة والسلام وحياطته من عدوه وكمال تربيته أيضاً، فإننا نعلم ولله المثل الأعلى أن الولد مثلاً إذا تربى على عين والده وبحضرته ومراقبته وسمعه وبصره، يكون هذا من كمال تربيته، لكنه لو تربى بعيداً عنه، لربما تربى على خصال وخلال لا يحبها، ولله المثل الأعلى، فهاهنا يقول الله عز وجل: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] أي: أن الله تعالى لن يكل أمر موسى وحفظه وتعهده إلى غيره أبداً، بل يصنع له سبحانه ما يكون فيه كمال تربيته وكمال رجولته، وهذا هو الذي جرى كما هو معروف للناس من القصص الذي قصها الله علينا في القرآن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015