وهذه الآية تختلف عن الآيتين قبلها من وجهين:- الأول: أن لفظ العين فيها مفرد، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] وهو في الآيتين قبلها مجموع {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] والجمع بين هذا وهذا، أن يقال في قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] فيه إثبات العين، ولا يلزم منه المفرد بل قد يطلق المفرد ويراد به ما هو أكثر من الواحد، وكذلك الحال بالنسبة للجمع فإن أقله اثنان، وعلى هذا لا إشكال ولا تعارض، فإذا ضممنا إلى ذلك ما جاء في سنن أبي داود وغيره، وهو حديث صحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58] وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى عينه وإلى أذنه} وكذلك ما جاء في الصحيح {أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: تعلمون أنني سأحدثكم وأقول لكم فيه قولاً ما قاله نبي قبلي: إنه رجل أعور وإن ربكم ليس بأعور} أي: أن الدجال رجل أعور والله تعالى ليس بأعور، عُلم بذلك أن ما هو مشهور عند أهل السنة الجماعة بإثبات العينين لله جل وعلا، أنه أمر صحيح.
الوجه الثاني الذي تختلف فيه الآية الأخيرة عما قبلها: هو أنها عديت بـ (على) في قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] بخلاف الآية التي قبلها {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] وسر هذا الفرق يتضمن أموراً لعل من أظهرها أن قوله عز وجل: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] وقوله: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] هو أمر واقع الآن، أي كأن الآية تحكي أمراً واقعاً الآن {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: تجري برؤيتنا، وبمرأى منا يتضمن الحفظ والكلاءة كما سبق.
أما قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] فهو أمر مستقبليٌ أنه سيقع وسيتم على عين الله عز وجل، أي: على ما يحب وعلى ما يريد، ففي الآية معنى معين خاص الآية المتعلقة بموسى عليه السلام، وهو أن الله تعالى سيربي موسى على عينه، وعلى ما يحب ويريد؛ ليكون هو الرجل المناسب لتلك المرحلة.
وهو الذي يقوم بإنقاذ بني إسرائيل وغيرهم من كيد فرعون وبطشه، وفيها معان أخرى أشار ابن القيم رحمه الله إلى شيء منها.