Q بعد توقيفكم يا شيخ لعلكم أن تحدثونا عن المشاريع والأعمال التي تنهمكون فيها؟
صلى الله عليه وسلم ربما تفاصيل الأعمال لا يكون هناك مجال واضح للحديث عنها، لكني أحاول أن أبذل جهدي فيما يتاح لي من خدمة لإخواني المسلمين، ودائماً ينبغي أن نعلم أن الدعوة ليست مجرد كلمة تقال في مسجد أو درس، فهذه الكلمة التي تقال عبر شريط، أو كتاب أو في مجلس عام أو خاص، هذه الكلمة هي دعوى وادعاء، والواقع هو الذي يصدقها أو يكذبها، والموقف هو الذي يصححها أو يخطئها، فعلينا أن نصدق أقوالنا بأفعالنا، بوضوح المبدأ ووضوح الهدف، وعدم الانحراف أوالركون أو الضعف أو المتاجرة بالمبدأ، هذا هو الشيء الأساس الذي ينبغي أن يحرص عليه الداعية؛ لأن الناس يسمعون الداعي يتكلم، فقد يكون كلامه جميلاً، وقد تكون عباراته معسولة، وقد تكون أفكاره جيدة أيضاً، لكن ربما هذا هو كل رصيده، وكم من داعية أو طالب علم أو عالم يخفق في أول اختبار عملي يواجهه في الحياة، فنحن نعد أن ما يقع ويجري فرصة لأن نختبر أنفسنا، ما مدى صبرنا على ما نلقاه في ذات الله تعالى!، ما مدى استعدادنا لتحمل الأذى في سبيل ما نعتقد أنه حق وصواب! إن الإنسان تتقلب به الأحوال تقلباً كبيراً، فالإنسان قد تمر به حالة قوة، وقد تمر به حالة ضعف، وقد تمر به حالة صحة، وقد تمر به حالة مرض، حالة غنى حالة فقر، والصورة المثلى التي ذكرها الله تعالى في القرآن، هي صورة ذلك المؤمن الذي هو المؤمن في كل الظروف، ولهذا عاب الله تعالى على أقوام، إذا أوذوا غيروا، كما قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:10] .
كما عاب سبحانه على طوائف من الناس، إذا جاءهم الضر آمنوا، وإذا جاءهم الفرج والسعة انحرفوا وابتعدوا، كما قال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] والمؤمن الحق هو من لا تغيره الشدائد والظروف، ولا تقلبات الأحوال، فهو يتعبد الله تعالى بأنواع العبادة، القوة لها عبادة، والضعف له عبادة، والغنى له عبادة، والفقر له عبادة، والصحة لها عبادة، والغنى له عبادة، والمرض له عبادة، والسفر له عبادة، والإقامة لها عبادة، وكل حال من الأحوال والتقلبات لها عبادة محددة في الشريعة، فالله تعالى يبتلي عباده بما شاء من ذلك، وهذا هو المحك الحقيقي.
فمن الناس -مثلاً- من قد يندفع بالدعوة ويسير في طريقها، ويلمع نجمه في تيار الاندفاع، والقوة والتقبل والفرص المفتوحة، لكن إذا أصبحت هذه الفرص تتضايق، أصبح يبحث عن الفرص حتى ولو على حساب ما يعتقد، وما يدين به وما يؤمن به.
ومن الناس من يعد أن هناك قضايا يقف عندها، حتى لو أدى ذلك إلى تفويت بعض الفرص عليه؛ لأنه ليس همه أن يهتبل الفرص ولا همه أن يقف أمام الناس ليتحدث، ولا همه أن يشتهر -مثلاً-، ولا همه أن يتعاطى الناس اسمه، إنما له هدف واضح في الدعوة إلى الله يسعى في تحقيقه بنفسه أو بغيره، ولو يعجز عن التحقيق بسبب شرعي، يعد أنه قد أدى ما عليه وبرئت ساحته، ويلجأ بعد ذلك إلى ما يستطيعه من الوسائل الشرعية، وهو موقن بأنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وأرجو أن تعفيني من الكلام بالتفصيل بطبيعة الحال، وإن كان الحمد لله أكثر الإخوة يعرف أن هناك مجالاً واسعاً لمزيد من القراءة والاطلاع، الذي يحتاج إليه الإنسان، وقد ينشغل عنه ببعض النشاطات الدعوية، ونحن بحاجة إلى أن نجدد أنفسنا ونجدد عقولنا ونوسع مداركنا باستمرار، ولا نقف عند حد معين، -ككتابة بعض الكتب، أو تصحيح بعض المحاضرات السابقة وإعدادها للطباعة لتطبع، إذا أتيحت فرصة في أي مكان من الأرض-، والحمد لله أبشركم -باختصار- بأنني قطعت شوطاً طيباً، أشعر بأنني لم أكن راضياً عنه إلا أنني أعتقد بأنه أمر جيد، والحمد لله تعالى.