Q حمل المسلمون الأوائل دعوة الإسلام عن طريق الجهاد، تحت راية الدولة الإسلامية، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، هل مازال الجهاد هو الطريق الرئيسي لحمل الدعوة؟ وكيف نحيي هذه الفريضة؟
صلى الله عليه وسلم علينا أن نحدد أولاً: ما هو الجهاد؟ إذا كان المقصود من الجهاد القتال، فلا شك أن القتال هو شريعة، والجهاد بهذا المعنى شريعة محكمة غير منسوخة، وهو باقٍ إلى قيام الساعة، ولا تزال طائفة من هذه الأمة تقاتل أعداءها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن ليس هو الطريق الوحيد، بل هناك الدعوة، والدعوة تسبق القتال بلا شك، ولهذا أوصى النبي عليه الصلاة والسلام، القادة من أصحابه كما في حديث بريدة في صحيح مسلم: {إذا لقي عدوه من المشركين أن يدعوه إلى الإسلام أولاً} فالدعوة تسبق القتال.
ولهذا على المسلمين أن ينشطوا في مجال الدعوة إلى الله، وفي مجال الاستفادة من الفرص الإعلامية المعاصرة، وهي فرص ضخمة جداً بالدعوة إلى الله عز وجل وفي نشر الإسلام، وفي تحريك عقول الآخرين للبحث عن هذا الدين، واكتشافه كما يقولون؛ لأن الكثيرين قد أخفت عليهم وسائل الإعلام، واليهودية وصورت الإسلام بأنه دين العنف، ودين سفك الدماء، ودين الإرهاب، ودين التضييق على المرأة، ودين مصادرة حقوق الإنسان إلى غير ذلك، واستخدمت بعض ما يعانيه المسلمون في بلادهم، من تخلفٍ، وضعفٍ وبعدٍ عن الدين، وعدت هذا هو الدين.
ولا شك أن بين واقع المسلمين وبين حقيقة الدين بونٌ شاسع، ولا يمكن أن يحاكم الدين إلى واقع الناس، مع أن واقع الناس قام على غير أساس الدين، والقائمون على الدين من العلماء والمصلحين، يسعون إلى تقريب هذا الواقع إلى الدين، فالمقصود أن هناك انشطاراً حقيقياً بين واقع المسلمين وبين الإسلام، وهذا قد يحدث إشكالاً عند الكثيرين من البسطاء والعامة الذين لا يمكن أن يفهموا الدين فهماً نظرياً، إلا في ظل واقع عملي يشار إليه، ويقال لهم: هذا هو الإسلام، وهذا هو الدين، لكن مع ذلك ينبغي أن نحرص: أولاً: على تكوين الواقع العملي في التجمعات الإسلامية، ولو كانت صوراً مصغرة.
ثانياً: وكذلك نحرص على شرح الإسلام ودعوتهم إلى اكتشافه، ونشر الكتب المنصفة التي تبين حقيقية الإسلام في أوساطهم، حتى تتم الدعوة.
ثالثاً: وعلينا لكوننا مسلمين، أن نسعى إلى الإستفادة من الفرص الإعلامية الضخمة الموجودة في هذا العصر، عصر ثورة الاتصالات من خلال الكمبيوتر، ومن خلال التلفزة، والإذاعة، والصحافة، إلى غير ذلك من وسائل الاتصال السريعة والحديثة، وأن نستغلها في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي إيضاح القضية الإسلامية، فهذا واجب ضخم وعظيمٌ جداً علينا، وهذا لا يعني أن الجهاد بالقتال مؤجل إلى أن تتم الدعوة؛ لأن الدعوة أولاً: ليست واجباً مؤقتاً، بل هي واجبٌ دائم.
وثانيا: لأن هناك مواقع، وهناك بعض البلاد، وبعض الرقاع تواجه عدواناً وتسلطاً من أعداء الدين، سواء كانوا يهود كما هو الحال في فلسطين، أم نصارى كما هو الحال في بلادٍ كثيرةٍ جداً، كالفلبين مثلاً، أو السودان، أو عدة مناطق أفريقية أو غيرها، أو كانوا سيخاً أو وثنيين كما هي الحال في كشمير، أو كانوا شيوعيين، أو كانوا مرتدين أيضاً.
فالمقصود أن هذه المواقع التي يواجه المسلمون فيها تسلطاً من عدوهم، ومصادرة لحقهم في الحياة، وحقهم في العبادة، وحقهم في إقامة شريعة ربهم، أن عليهم واجباً وهو أن يقاوموا عدوهم، وأن يغالبوه كما قال الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:40-42] .
فهذا أيضاًَ واجب بإزاء ذلك الواجب.
وبشكل عام فإن الجهاد ميادينه واسعة، فهناك من يجاهدو في الثغور، وهناك من يجاهد في مجال التعليم، وهناك من يجاهد في مجال الإعلام، وهناك من يجاهد في مجال الدعوة، وهناك من يجاهد في إصلاح أحوال المسلمين، وهناك من يجاهد في مجال دعوة غير المسلمين وشرح القضية الإسلامية لهم، وهكذا مجالات الجهاد واسعة جداً، وهناك من يجاهد أيضاً في مجال الاقتصاد، وهو مجال ضخم وخطير في هذا العصر، وعلى المسلمين أن يعملوا على القيام بهذه الفروض الكفائية، كلٌ بالمجال الذي يشعر بأنه يتقنه ويجيد فيه أكثر من غيره.