Q ما الفرق بين النظام الديموقراطي والنظام الإسلامي؟ وهل يصح قول بعضهم: إن عمر وأبا بكر رضي الله عنهما من زعماء الديمقراطية؟ وما معنى حرية الرأي في الإسلام؟
صلى الله عليه وسلم النظام الديموقراطي في الأصل مأخوذ من كلمة "ديموقراطيك" وهي فيما أعلم كلمة يونانية معناها حكم الشعب، إذاً الديموقراطية يقصد بها حكم الشعب، وفي البيئات التي نشأ فيها هذا المصطلح لم يكن للشريعة مقام ولا وجود أصلاً -لم يكن للنص الإلهي والحكم الإلهي "بمعنى التشريع"، لم يكن له وجود- فكانت هذه الكلمة تنطلق على حكم الشعب في المجالات التشريعية، بمعنى أن الشعب هو الذي له سن الأنظمة والأحكام والقوانين، فالشعب -مثلاً- هو: الذي يحكم بأن هذا الشيء أحلال هو أم حرام، حق أم باطل، خطأ أم صواب، وهو الذي يضع الأنظمة التفصيلية أيضاً في كل شئون الحياة، وكذلك الشعب له حق السلطة التنفيذية والقضائية، بمعنى أن الشعب هو الذي يمارس تنفيذ القوانين، فيكون الشعب هو مصدر التشريع وهو مصدر السلطات، وبناءً عليه لا يكون للشرع حكم أو مرجعية، هذا أصل وجود الديموقراطية.
وهو كذلك بالنسبة للديموقراطية اللبرالية الغربية، فهي تقوم على أساس علماني لاديني، على أساس عدم دخول الدين في السلطة، ولذلك فإن البرلمانات الغربية والمجالس أياً كان اسمها، هي التي تسن القوانين وتشرع، فمن الممكن أن تخرج -مثلاً- في هذا العام قانوناً فحواه: أن الشذوذ الجنسي مثلاً مباح، فيكون مباحاً كما هو الآن الجدل الدائر في أمريكا وفي غيرها، وهكذا كل الأشياء الأخرى، فهذه الديمقراطية العلمانية اللبرالية تقوم على أساس إقصاء الحكم الإلهي والتشريع الرباني، وإحلال الفرد كما لو كان إلهاً يحكم ويشرع ويأمر وينهى، كما قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31] وهذا لا شك أنه شرك في الألوهية والربوبية وإعطاء حق التشريع لغير الله تعالى، والله تعالى يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] .
أما المعنى الثاني: الذي يستخدمه بعض الكتاب، فقد يستخدمون مصطلح الديمقراطية نفسه، ويقصدون به المشاركة الشعبية في إدارة دفة الحكم، من خلال انتخاب الشعب بنوابه وممثليه ومن يكونون في دوائر تنفيذ الأمور، دون أن يكون لهم تدخل في التحليل والتحريم، ولا علاقة بالأحكام الشرعية، وفي ظل إقرار الجميع بأن الشريعة، هي شريعة الله، وأن الحكم حكم الله، وأنه لا يحق لأحد فرداً كان أو جماعة أو أمة أن يغير شريعة الله تعالى، لا من خلال اختيار ولا من خلال انتخاب، ولا من خلال تصويت، ولا غير ذلك، بل الجميع مقرون بأن شريعة الله تعالى هي المرجع، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] وبعض الكتاب الذين يتحدثون من منطلق إسلامي، يقصدون هذا المعنى، لا يقصدون المعنى الأول؛ لأن المعنى الأول هو بلا شك يعني منح التشريع لغير الله تعالى كما أسلفت، وهذا شأنه كما اتضح.
حتى المعنى الثاني لا أرى أبداً استخدام الكلمة، لأن الكلمة غربية أجنبية، لها مصطلح له ظل، وله معنى خاص، واعتبار أن الديموقراطية الغربية هي النظام الإسلامي بلا شك خطأ، لأن الإسلام مستقل بمصطلحاته وعباراته كما هو مستقل بنظمه وأحكامه، فالإسلام جاء بالشورى نعم، فـ عمر ومن قبله أبو بكر ومن قبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا أئمة الشورى، والله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] وقال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38] ولا شك أن النبي عليه السلام كما قال عنه أبو هريرة: [[لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم]] كان يستشيرهم في أمور كثيرة، من أمور الحرب، والسلم والأمن والخوف وغير ذلك، مما هو معروف من هديه وسيرته عليه الصلاة والسلام، والشورى فيها منافع وفوائد عظيمة جداً: منها: تدريب الأمة على المشاركة، وألا تحول الأمة إلى قطيع يساق دون أن يكون له رأي.
ومنها: تدريب الأمة على المواقف والأزمات.
ومنها: الاشتراك في تحمل التبعات والمسئوليات، وألا يتحملها فرد أو أفراد بأعينهم، ويتحول البقية إلى نائمين في وقت الأمن، ولائمين في وقت المصائب والأزمات، وحصول ضد ما هو متوقع، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة التي ليس هذا مجالاً للحديث عنها.
فالنظام الإسلامي نظام شوروي، نعم، ولا شك أن من الشورى أن يشترك المسلمون في الاختيار، كما حدث في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، فإن عمر رضي الله عنه لم يحدد الخليفة من بعده، بل جعل الأمر في الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فترتب على ذلك أنهم فوضوا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، في سؤال الناس، فكان يسأل الرجال والنساء حتى العذارى في خدورهن، ويأخذ رأيهم في ذلك؛ وبناءً عليه جعل الأمر في علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، ثم آل الأمر إلى اختيار عثمان بن عفان بالتخصيص، فكان هو الخليفة الراشد الثالث على ما هو معروف تفصيله في التاريخ.
فالمقصود أن هذا الأمر لا داعي أبداً أن يسميه بعضهم بالديموقراطية، لأن الإسلام مستقل في أحكامه وشرائعه، كما هو مستقل بمصطلحاته وعباراته، وإطلاق مصطلح أجنبي أو غربي أو حتى في الأصل وثني غير شرعي، على أي حكم من أحكام الشريعة فيه إجحاف بحق الشريعة، وقد يكون فيه نوع من التلبيس.
والعذر الذي قد يقدمه بعضهم، هو أن هذا المصطلح أصبح مصطلحاً مشهوراً دارجاً عند الناس معروفاً، هنا نقول: إن الإنسان عليه أن يبين من يستخدم هذا المصطلح بعينه، بل يبين أن المصطلح الذي هو الديموقراطية -مثلاً-، إن أريد به المشاركة التي وصفتها -كما سبق- فهذا صحيح وجاء في الإسلام، لكن الإسلام لا يطلق عليه مثل هذا المصطلح، وإن أريد به أن الشعب له حق التشريع والنقض والاعتراض على ما أنزل الله، فهذا معنى باطلٌ شرعاً، وليس لأحدٍ من الناس حق الاعتراض على ما أنزل الله تعالى، وحكم وقرر وقضى، والأمر يتطلب مزيداً من التفصيل بلا شك؛ لأنها قضية خطيرة وكبيرة، وهي أحد الإشكاليات التي يكتب فيها المعنيون بالسياسة الشرعية في هذا الزمان، لكن هذه عجالة تناسب ضيق الوقت.